عندما تنتهي لحظات الحب ولا يملأ عمرنا غير أبد الحرف
هاجرقويدري:
حين تعرف أن الكتاب الذي بين يديك رواية لا يمكنك إلا أن تقراه، هي الرواية تأتي بمقاس يكبرك فلا تختنق.. تأتي كسجاد واسع يمكنك أن تتمرغ فيه ولا تنحصر، وربما تجيد فيها الأحداث تلقين الدروس أكثر من صور عقلية روحية مفتوحة شعراً من أقصى الاحتمال إلى أكمل الاختزال، لكن عندما تعلم أن صاحب الرواية نفسه هو شاعر قادم من لغز الوخز الشعري إلى جرح الرواية لا يمكنه إلا أن يقرؤك وعندما نعلم أيضا أن هذا الشاعر الروائي طبيب فأجزم انك ستتعرض إلى عملية تشريح من دون حتى حقنة تخدير.
هي صاحبة دعوة المطر في ديوانها تعال نمطر وطبيبة الأطفال فاتحة مرشيد تطل علينا بعملها الروائي الأول لحظات لا غير المنشورة عن المركز الثقافي العربي تبدأها بعبارة ملتوية تخاطب بها الموت فإذا بها تصفع الحياة ذاتها “تريث أيها الموت إني أكتب” ينحدر فيها السرد من مريض أنهكه الاكتئاب ورمت به نظرته السوداوية إلى عيادة نفسية عله يتراجع عن فكرة الانتحار التي هزت حروفه الموغلة كأن يردد على لسان شاعر البوسنة غزت سراييج
“لم يسبق أن كتبتم رسالة عشق
أو فكرتم في الانتحار
فكيف إذن،تجرؤون على قول أنكم عشتم”
نعيش رفقة فاتحة جلساتها مع المريض الذي يربك طبيبته بأفكاره وأجوبته عن الأسئلة المباشرة وكأنها صفعات متلاحقة ما هي في الواقع إلا نظرة نهائية ليس بعدها حكمة غير حكمة الموت والذي سيكون خلاصة الحبكة كأن تقول له:
– لماذا قررت أن تضع حدا لحياتك ؟
– لنقل أن الحياة قررت أن تضع حدا لي…
– أهروب هو؟
– لا..هو إقدام
ومن غفلة العمر تنتبه طبيبتنا أنه لا يخاطب فيها إلا روحها ولا يشبه غير وجعها الملتحف بقسوة ما نعتاد عليه، هي التي استأصل من جسدها ورم السرطان والذي سكن جزءاً كلما انتبهت إليه تذكرت قول نزار عنه”ولله لم يسجدا ” هذا المعنى الإيروسي الخصب المنزلق إلى دفيء الأنثى.. وتصبح امرأة من دون كافر يحركك نحو الخطيئة أو الغفران …
تفتح أوراق زواجها البارد من طبيب يجيد حساب النبض من دون التحرك داخله، تلتفت إلى الذي كان بحزن ولكنها تؤكد لنا أن التعثر بالألم أحد أهم القناعات نحو القبض على الفرح على السعادة، فنتصور معها أنه لا يمكن للسعادة أن تنزلق هكذا من جنة الأزل هي دوما المريضة التي تستعيد عافيتها.. تلملم بعض شتات العمر وتستجيب لزرع نهد من السيلكون وستكون فخورة بنهدها أو هكذا أكد لها الطبيب لتتصالح فعليا مع جسدها وتعود…
بعدها تعرف أن مريضها وحيد كامل قد تماثل للشفاء من سوداوية القزحية وها هو يعلن عن ذلك بديوان شعر يسترد به نورانية اليراع، أن تكون كاتبا ربما تعلن عن سعادتك بكتاب وربما عن حزنك أيضا لكنك ستعلن عليه أكثر من أي مخلوق أخر “أبراج الروح” هو وصفة الروح التي خرج بها من تلك الجلسات لكن تجعلنا فاتحة نتساءل كيف يمكن للجلسات لا يصاحبها غير البوح أن تجعله يشفى فحياته كانت لا تشبه حل العقد هي في تلاحقها قدر متواري فقط هو يعرف أبعاده جيدا.. أمه التي انتهت ذات سكر والأب المتلعثم عمراً في ذنبه ينتهي إلى التوبة عله يغسل ذاكرته المنسوخة التي رمت بزوجته جثة أمامه جراء سرعة مفرطة من فرط الشرب..
www.almohakik.com