0%
Still working...

مقال الزبيدي عن لا حزن لي 2023

“الإشراق في دائرية الحزن اللاّ مطمئن..” د. وليد جاسم الزبيدي، المجلة الالكترونية كلاميو، 6 يوليوز 2023.

الإشراق في دائرية الحزن اللاّ مطمئن..

قراءة: د. وليد جاسم الزبيدي

   سنقف عندَ آخر ما كتبَتْهُ الأديبةُ المغربية الدكتورة (فاتحة مُرشيد) ديوانها الشعري الموسوم (لا حزنَ لي الآن)، سنة 2023، عدد الصفحات (ثمانون) صفحة، عن المركز الثقافي للكتاب الدار البيضاء/ المغرب.

فاتحة الذِّكْر:

 بين الأنا والآخر خيطٌ رفيعٌ، كالخيط الفاصل بين الّليلِ والفجر، وبين الابداعِ والنبوغ، سلالاتٌ من خُرافاتٍ وأساطير، وبينَ الحرفِ والصوت عشقٌ، يكادُ أن يكونَ حبلَ مَسد. ما أن تقرأ الديوان/ القصيدة (لا حزنَ لي الآن) كأنكَ في حلقةِ ذِكْرٍ فتدور مع الحلاّج وابن عربي والشيرازي في سماواتٍ نقيّةٍ. ((وما نطقَ عن الهوى))، فالقولُ والابحار لم يكونا قواربَ مغلولةً بالسلاسل على ساحلٍ هجرَهُ المّد. لنتغنى معاً بغناء درويشةٍ وضعتْ أغانيها على صفحات البياض، يفهمها منْ توارث علوم الوتر المقطوع من حناجر المتعبدين.

تدوير الذّكْر:

  يلفُّنا النّصُّ، ويجذبُنا بحركتهِ (البدنية)/ الشكلية والروحية، من عنوانهِ (لا حزنَ لي الآن) لينتهي بعبارتهِ السحريةِ في ايقاعٍ موسيقي وحركةِ رَقصٍ توقيعي (لا حزنَ لي الآن).

  إذن نحنُ في أجواء مشهدٍ تَبَتّليّ، بين عَيانٍ وغَيبةٍ، بين ظاهرٍ وباطنٍ، فالنّص يجري معك عكسَ مجراك، ويخالفُ ظنونَك، بلْ -أحياناً -تدخلُ في صراعٍ متوجّسٍ تارةً وثائرٍ عليه، لكنّك تظل تمسكُ بظلالهِ، بلْ تتسابقُ خُطاكَ لتصلَ محرابَهُ.

الفناء الصّوفي:

    وأنتَ تقرأُ (أيّتُها النّفسُ اللاّ مُطمئنةُ)، يصدحُ في أّذنِكَ صوتُ (عبد الباسط عبد الصّمد)، فيتشكّلُ في ذهنكِ التّناصّ القرآني، لكنّ هذا الوهم يتبخّر حينما تُكملُ المقطعَ الأول، فحلقةُ الذّكْرِ قائمةٌ، والمريدون يتحلّقون ويردّدون بقلوبِهم لا بألسنتِهم، فالنّفسُ لمْ تكنْ واحدةً، كما عرّفتها (أل) التعريفيّة المحدّدة، الشاملة، المعروفة بعينها، إذْ أخرجتّها (الشاعرةُ) من مفهومِها القرآني، والبلاغي، والنحوي، لتكونَ خارجَ النّفس المتعارفِ عليها في الدلالات، إلى نفسٍ تتوقُ للحياة، لا للموت، وتُخرجُها من قداسة الكتب نحو مفاهيمَ تزخرُ بالألم والجوع والعطش الانساني، بل الوجودي. فالذات تخرجُ من ثيابها، تعيشُ في حيواتٍ متعدّدة، وعوالم ما أنزلَ بها الطغاةُ من سلطان. الذاتُ التي تتشكلُ بحيوات وشخوص وحجر وشجر، ومسميات أخرى، لا ترتبط بواحدية العيش، بل بتعدد الحيوات، ولا ذكرى واحدة، بل بذكريات متعددة، ولا بهدفٍ واحد بل بأهداف تنشطرُ حيثُ اللا مُنتهى.

(ما أنتِ بمريم العذراء)، بل أنت في ذوات مختلفة، تنهضين فتسقطين، وتتعثرين في دروبٍ، وتتعلمين من قساوة الحجر.

(أيّتُها النّفسُ اللاّ مطمئنة) خطابٌ يتردّدُ بين طيّات حلقاتِ المتلقين، ليكونَ سُلّماً وواسطةً للبحث عن اللا (مطمئن)، (هو سُلّمٌ / تصعدينُهُ معَ كلَ شروق/ ويجذبُكِ الفراغُ/ عند الغروب/ ولستِ شمساً/ لكنّكِ مثلها…).

طُرُقُ (اللا مُطمئنة):

   للصورةِ القلقة (للنّفس)، طُرُقٌ ومسالك تقتربُ وتبتعدُ من (الذات الواحدة) إلى (ذوات متعددة)، (حيّة أو جامدة فيها من روح الكلم)، منها وفيها: السؤال الذي يدور مع كل صفحة بصيغ مختلفة، لا بمعنى السؤال النحوي الذي يُقعّدُ لنا اسلوب الاستفهام بأدواته وشروطه، بل بصيغ التحريض في داخل كل عبارة، تجعلك تتخوّفُ حيناً كأنك تمسكُ الجمرَ، ويسطلُك (الآخر) بالزندقة، وبين نَفسٍ (أمّارةٍ بالشك)، تتداعى مع الكل المتصارع، (نَفْسٌ) مجبولةٌ من طين الحالمين. ومن طُرق (النّفس) هذه أو تلك، فالحياةُ تتكوّر وترتسم في عيوننا بمعانٍ نسمّيها بها وتسمياتٍ في معاجمنا الروحية نحنُ نضعها ونصنعها بأيدينا وأحياناً نرتديها بثوب الخطيئة، أو ثوب الفجيعة، أو بثوبٍ نظنّه تاجاً..؟؟!!

  و(اللاّ مطمئنةُ) تحاكي الذبول لتجديد الحزن، وتزهو وتتفاخر في التسلّقِ الى (الأسفل)!!؟، وهي وجهٌ مقنّعٌ سرعان ما يتساقط عنه ورقُ التوت. ومن طُرقِها، أنها كانت ظلالاً بعدما كانت نوراً، وتبحثُ عن حُلمٍ في وضحِ النهار؟؟

الاشراق في (النّص):

    في هذا النّص، الخطاب الذي يرتدي أقنعةً بين الأنا والآخر، ويتلبّسُ المرآة مع الوجه، الوجه الواحد، والوجوه المتعددة المختلفة – المؤتلفة، وفي حيوات نعيشها جميعا، في هذا الكون المحنّط في قاعات زجاجية، يراهُ أهل الكواكب الأخرى ليتعلموا منه كيف ألا يكونوا مثلنا..؟!  هي شهقاتُ رجاء، وعتاب، ولوم، لكل (مستأجرو الحياة)، أن نكونَ بشراً، أن ترتدي النّفس ثوب السلام والمحبة والراحة والأمل، بدلاً من الألم (أمل- ألم)، بدلاً من الأوبئة والمرض الفتّاك الذي تعملّق وانهارت منه وفيه منظومة مجتمعية عالمية عجزت عن محاربته وجعلنا ننتظر حتفنا في بيوتنا، ((واستفتحوا وخابَ كلّ جبارٍ عنيد)).

   ويضع النّصُ دورةَ الحياة ويلخصها في (هكذا هي الحياة/ عودةٌ دائريةٌ/ إلى ما هجرناهُ..)، فالحياة تدوير، ودائرة، ودورة، وكذلكَ النّص بُني على شكلٍ دائري، ندور فيه كحلقةِ ذِكْرٍ، بين خيباتٍ وانكساراتٍ، وتسلسلٍ زمني

(هي يقظةٌ/ ثم هروبٌ/ ثم عودةٌ/ مع كسرِ الجناح/ …).

   ونختمهُ ترتيلاً، (وما كلّ نفسٍ ذائقةُ الحياة)، دعوةٌ الى الابتسام، وأن نحبّب لأنفسنا الطريق، (أرى خلفَ الأفقِ ضياء)، (فلا بدّ لليلِ أن ينجلي..؟)، و (أليسَ الصّبحُ بقريب)، وتظلّ حلقة الذّكرِ تدور، وتنطقُ الأنفسُ لا الألسن (لا حزنَ لي الآنَ) .. ويردّدُ صدى الآخر: (لا حزنَ لي الآنَ).!

Leave A Comment

Recommended Posts