0%
Still working...

ما لم يقل بيننا عبد الحق ميفراني

“ما لم يقل بيننا” شعرية البوح

عبدالحق ميفرانى

ما لم يقل بيننا” قصيدة الشاعرة فاتحة مرشيد، صدرت في طبعة أنيقة عن المركز الثقافي العربي ومرفقة بالنص المترجم الي اللغة الانجليزية أعده الشاعر والمترجم نورالدين الزويتني. لقد أمست كتابات الشاعرة فاتحة مرشيد تحظي باحتفاء النقد رغم حضورها في المشهد الإبداعي المغربي السنوات الأخيرة من القرن الماضي، حيث توالت إصداراتها الشعرية والروائية بشكل منتظم وحظيت نصوصها بترجمات الي لغات أخري. ولتجربة فاتحة مرشيد أثر مباشر علي القصيدة المغربية الحديثة، إذ أنها شكلت مسارا متجددا لنصها الشعري في انفتاحه علي عوالم تخص المرأة المبدعة. صوتها الإبداعي المستقل في القول الشعري وجسر لشعرية مفتوحة غنية بمستويات الاشتغال النصي الشعري.
في قصيدة “ما لم يقل بيننا” اعتراف بهذه ال “ما”، إذ تخط الشاعرة هذا “النص الغائب” من العنوان عبر تفاصيل أشبه بمونولوغ طويل يستحضر تقابلين محددين. تشكل الشاعرة صورهما من خلال تحديد وملأ البياضات. هذا النص الغائب يتمظهر تشكلين لذاتين تتقابلان في تماس مجازي، رجل وامرأة حيث المرأة حاملة للقول الشعري وسيدته وشخصيته المركزية.
هما “جريحان” تعرج خلاله الشاعرة علي تشريح هواجس ذاتها المشرعة علي الحب، لكنه الحب الذي يحتاج للألم إذ بدونه لا يكتمل في “سدرة العشق” وحينها تنمحي الذات وتتوحد جسدا واحدا متيما بالوجد. هما “جريحان” لأنهما اختارا أن يكون الحب ثالثهما ووفق هذه المنزلة تنتهي الحدود وتصبح البياضات في العلاقة هي الأساس.
في توصيف هذا النص الغائب، تعود الشاعرة الي ذاتها كي تشرح هواجس التوحد، خصوصا حينما يصبح الآخر يعيش في حالاته، سواء في اصطناعه الرغبة المتحللة في ذات أخري، أو في صوره “الرجولية” المعهودة وهو ما يخلق ذات امرأة متوجسة، قلقة، بدون أدني لذة في الأشياء، هي فقط تعيش “المابين”. ولعل هذه النقطة بالذات تستطيع أن تصرح علنا بهواجسها بقلقها وبحالات الحب والوجد.
في “قصيدة ما لم يقل بيننا” صوت للحب الإنساني في التباس مع ذاتين بنزوعات مختلفة، وهنا يتحول الحب الي “شخص جبان”، فرغبة التملك لا تقابلها أحاسيس تحلق بعيدا عن ما يري، لأن كل ما يري ليس إلا صورة غير مكتملة لظنون الذات الملتبسة. وما تلبث أن تعلن القصيدة صوتها الفردي دون “قتل” للآخر، صوت يعلن انجراحاته وآلامه وفرحه في هذا اللااكتمال. وكلما استطاع الحب أن يوحد ذاتين قررا في لحظة أن يتوحدا كلما كانت الحاجة ماسة لقليل من الاعتراف بالمساواة. أي لا أحد في الحب يضع نياشين علي كتفيه، لا أحد يستطيع أن يطلق رغباته هو. في الحب تموت كل الفردانية المقيتة، ولا نستطيع تجنيس العواطف.
يحتاج الحب لكثير من المساواة، ولو كان “اليقين” في مقابل “العدم” ولو كانت امرأة تتحرر من جلدها كي ترسو علي نقطة “المابين” حيث يصبح هو/الرجل في التماعاته الغير البطولية، حيث يكون هو فقط. لكن، هل له القدرة كي تقوده هي لما هو أبعد من الحب؟
في النهاية، نكتشف صورة أخري لهذه الوشائج المستعارة، صورة مسكونة بحالات ذات وهي أشبه بالصدفة لعلها الصدفة التي قادتها أن تكشف حالات تجلي لوجودها “الزئبقي”. وهنا تصبح الذات أقرب لحالات الكتابة، هي أشبه بالحبر، أشبه بحالات القصيدة في تجليها. ويصبح الهامش أكثر اتساعا..
أنحني / أتعثر/   أتبعثر/ أتكسر/ أتوطد/ أنهض/ أستقيم/ ص67.
في هذا الهامش الذي تفتحه الذات مشرعة علي حالاتها نتلمس هذه “الحياة القصيرة” التي تتلون صورا في أوجه تلخص لنا أفعالا حركية هي عبارة عن صور لهذا “المابين” الذي يسم ذاتا سيزيفية تنعتق من العدم في كل لحظة السقوط. وهذا “اللاقول” هو ما تشرحه القصيدة في أحاسيس مركبة.
في القصيدة سمو بقيمة الحب الي بعدها الإنساني ووصف متشعب لذات تتلظي من حنين وحب مشوب بالانكسار، إذ يضمر حضور هذا الآخر أسئلة موازية في قدرته علي جعل النص الشعري أبعد من أن يكون صوت “أمرأة” أنهكها محاولة فهم الحب..محاولة فهم ما لا يفهم بالمرة..وهل يحتاج الحب الي “الفهم”؟ ومن ثم الي التفسير؟ كل ما قيل في القصيدة هو ما لم يقل، هو ما ترغب الشاعرة البوح به للمتلقي..وما لم يقل بين الشاعرة والمتلقي هو هذا النص المعلق بين اللغة ورؤية القصيدة، بين المعني واللامعني، بين القصيدة والقارئ.

أخبار الأدب

العدد 970، الأحد 26 فبراير 2012

www.dar.akhbarelyom.org.eg/…/detailze.asp?…

Leave A Comment

Recommended Posts