0%
Still working...

ما لم يقل بيننا الخطيبي

مجموعة «ما لم يقل بيننا» للمغربية فاتحة مرشيد  نموذجا: ترجمة الشعر أم شعرية الترجمة

مراد الخطيبي

لا بد من الإقرار في البداية أن الترجمة عموما هي عملية معقدة وتتأسس ضمن عدة مستويات وأنساق، ولكنها تبقى عملية ممكنة. وهذا ما يوضحه الباحث عبد السلام بنعبد العالي: «الترجمة كنقل لمحتوى دلالي، من شكل في الدلالة إلى آخر، عملية ممكنة. صحيح أنها تطرح بعض الصعوبات، مادامت تريد أن تضع نصا يقول «الشيء نفسه»، ويرمي إلى «الغاية نفسها»، ولكنها عملية ممكنة.

ويكفي ألا نخون روح النص المترجم. ومهمة المترجم وقيمته تتجليان في مدى قهره للصعوبات التي يطرحها تعدد اللغات، وتباين الثقافات، وذلك بأن ينتج نصا يكون طبق الأصل. مهمته أن يقهر المسافة التي تفصل النص عن ترجمته، والأصل عن نسخته، وأن يمحو اسمه ليسمح لكاتب النص الأصلي أن يتكلم بلغة أخرى من دون أن يفقد هويته. يريد المترجم أن يكتب النص باسم كاتبه، أن يكتبه من دون أن يوقعه، يريد أن يتدخل من دون أن يتدخل، وأن يظهر ليختفي».

أما الترجمة الأدبية فيقصد بها ترجمة جميع الأجناس الأدبية من شعر ورواية وقصة ومسرح من لغة معينة إلى لغة أخرى. صعوبة الترجمة الأدبية تكمن في أن المترجم لا يتعامل مع نص عام، بل مع نص إبداعي له مبدئيا مقومات فنية متمثلة في جنوحه أحيانا إلى الرمزية، الاستعارة وإلى الغموض أحيانا أخرى. نيتشه مثلا يحدد صعوبة الترجمة من لغة إلى أخرى، ومن ضمنها الترجمة الأدبية بطبيعة الحال، في الإيقاع الأسلوبي، وهذا الإيقاع يختلف بالتأكيد من لغة إلى أخرى. ويبقى الشعر من أشد النصوص الإبداعية تعقيدا بحيث تتجاوز عملية الترجمة إشكاليات المبنى، المعنى لتصل إلى حدود أصعب، خاصة الصور البلاغية، الموسيقى وجميع المقومات الجمالية الأخرى.

الميزة الأولى للمجموعة الشعرية «ما لم يقل بيننا» للشاعرة فاتحة مرشيد (شاعرة وروائية مغربية) أنه صدر في طبعته الأولى سنة 2010 (طبعة أخرى ستصدر قريبا في الولايات المتحدة الأمريكية) في كتاب واحد باللغتين: العربية وهي لغة النص الأصلي مع ترجمته الإنكليزية بحيث يسهل للقارئ خاصة المتخصص من إمكانية القيام بدراسة مقارنة للنصين معا أي باللغتين العربية والإنكليزية. أما الميزة الثانية فتتمثل في كون نور الدين الزويتني وهو الذي قام بعملية الترجمة شاعر حداثي متميز ومتمكن من اللغتين العربية والإنكليزية وأيضا مترجم أدبي بمعنى متخصص في ترجمة النصوص الأدبية ليس كبعض المترجمين الذين يترجمون كل النصوص وبالتالي يتم التعامل مع نص شعري كما لو كان نصا عاما وهذا خطأ شنيع.

ما سيكتشفه القارئ وهو يقارن النصين معا أن المترجم، بحكم امتلاكه للغتين معا وما يندرج ضمنهما من ثقافة متعددة ومبنى مختلف وشعرية خاصة، استطاع أن ينقل روح النص باقتدار وكفاءة عالية، وإن مارس في بعض الاحيان نوعا من الحرية استدعاها سياق الصورة الشعرية حتى تجد صدى إيجابيا لدى قراء اللغة الهدف، أي الذين لا يتقنون لغة النص الأصلية وهي اللغة العربية.

وهذا يندرج ضمن ما يشير إليه مثلا بيتر نيومارك، الذي يؤكد على أن المترجم يساهم في الحفاظ على المجهود الإبداعي الذي قام به الكاتب الأصلي ويعيد إنتاج البنيات والرموز، عبر تكييف نص اللغة الهدف مع نص اللغة الأصل. ويحتاج في هذا إلى ليس فقط المحافظة على القيمة الأدبية للنص الأصلي، ولكن أيضا لمقبوليته للقارئ المنتمي للغة الهدف، وهذا يحتاج إلى معرفة عميقة للتاريخ الأدبي والثقافي للغة الأصل ولغة الوصول معا.

استعمل المترجم في عمله المتميز هذا عدة آليات منها ما هو مباشر مثل: الترجمة الحرفية، الترجمة بالدخيل أو الاقتراض، الترجمة بالنسخ. ومنها ما هو غير مباشر على غرار: الاقتباس والتصرف، المعادلة أو المقابلة، التكييف، التحوير باستراتيجياته الثلاث: تبديل الثابت، الترجمة بالزيادة، الترجمة بالنقصان أو الحذف. نجح المترجم أيضا في انتقاء المفردات المناسبة وفي نقل روح النص الشعري وإحساس صاحبته وفكره في الوقت نفسه وهو ما جعل ترجمته تكون ترجمة بلغة شاعرية راقية بل وترجمة مبدعة، كما جاء على لسان أوكتافيو باث، الذي يؤكد على أن الترجمة والإبداع توأمان لا ينفصلان.

جريدة القدس العربي

31 أكتوبر 2015

http://www.alquds.co.uk/?p=426837

Leave A Comment

Recommended Posts