لحظات فاتحة مرشيد
عزيز د دان
تتخطى عتبة هذه الرواية، فتغرق فيها توا حتى أذنيك. لكنك لا تريد طلوعا من ذلك اليم الدافق. تلتهم الصفحات التهاما، لا تحير توقفا وتعد الأوراق الباقية من حين لآخر وتشفق من أن تنتهي الرواية ولما تشعر منها بالرواء.
هذا الأسلوب الروائي الذي يمزج في طلاوة بين الشعر والقصة بإتقان بديع و بخفة لامتناهية كأنه رقصة ملاك، ينسج من حولك خيوطا رفيعة لكنها متينة ولا مرئية تشدك للرواية شدا لذيذا يحيي فيك ذكرى عبد الرحمن منيف في “قصة حب مجوسية”
وتحس وأنت تعب من هذا النهر المتدفق بأن شاعرية الكاتبة لا تنحسر بتاتا أمام مهارة الراوية ، هي حاضرة دوما، فأثناء قراءتك للرواية تطالعك بين الفينة و الأخرى لمسات رقيقة هي في جوهرها مقاطع شعرية : محطات جميلة تحار بين التريث لتملأ منها فكرك و شعورك وبين السير قدما لتتعرف إلى مصير هذه العاشقة التي لم تخلق لتكون طبيبة نفوس بل طبيبة لنفس واحدة هي نفس وحيد معشوقها وهي التي تتدفق فيضا مفعما بسمو الأحاسيس ودفئ الحنان و جنون العشق.
كم هي لذيذة تلك القشعريرة التي تحتل جسدك على حين غرة وأنت تسافر بين هذه المحطات.
كم هي جميلة في هذه الرحلة مصادفة أوسكار وايلد، جاك بريل وبعدهما محمود درويش ثم محمد عبد الوهاب.. وآخرين تربطك بهم علاقة قديمة.
كم هي رائعة تلك اللوحات المرسومة بيد فنان فذ مثل تلك الصورة لأول رقصة، لأول “تبوريدة” ايروتيكية في الغرفة الزرقاء.
كم هي حميمية تلك اللمسات التي تؤكد مغربية هذه الرواية حتى النخاع. أنت تجد في ثناياها مرجعيات أصيلة تضوع منها نسائم قريتك وحكايات جدتك، ثم هي تذكرك ـ وما أحوجنا إلى التذكير ـ أن هذا البلد السخي المعطاء قادر على إنجاب روائيين مبدعين و شعراء “ناطقين”
فيا أيتها الشاعرة “الناطقة”،
تدفقي شعرا وانسابي رواية …
و اغمرينا بهذه النعم الزاخرة فلطالما طال انتظارنا في هذه الصحراء المجدبة .
جريدة الصباح العدد 2662
الخميس 30/10/08