0%
Still working...

فلسفة التطهير في رواية المُلهمات

  فلسفة التطهير في رواية المُلهمات / د. وليد جاسم الزبيدي       رواية المُلهِمات للروائية الشاعرة فاتحة مُرشيد، الناشر المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء-المغرب، الطبعة الأولى-2011م، عدد الصفحات208 صفحة، القياس:5و14×5و21، هي الرواية الثالثة للمبدعة بعد روايتين،الأولى (لحظات لا غير) ط1 عام 2007م عدد الصفحات 176صفحة،والثانية (مخالب المتعة) ط1 عام 2009م عدد الصفحات 160 صفحة. للدخول في الرواية بقراءتي المتواضعة وحسب نظرتي القاصرة، كما يأتي: أولاً: خارطة العلاقات، الشخوص والبناء الدرامي داخل السّرد: الرواية مزدحمة بالأسماء والتشابك في العلاقات بين شخوصها وكما وجدتها من خلال الحوار والترابط وتصاعد الأحداث بمستوياتها المختلفة: 1- عمر: وهو صاحب دار نشر (مرايا) يرتبط بعلاقات داخل الرواية، ولديه ملهمات، (أمينة) زميلته في الكلية وزوجته بعد حين، والدته (مريم) التي فقدت الذاكرة، أبناؤه: قيس المريض، وأمير الذي يدرس في أمريكا، وخولة التي تدرس في باريس، وسارة بن شقرون كاتبة شابة (ملهمة)، وعشيقته(كوثر)، التي توفيت بحادثة سيارة. 2-أمينة: زوجة عمر، صديقتها صباح المخرجة السينمائية، وصديقها المصور الفوتغرافي الفلسطيني الجنسية صبري. 3-إدريس: (الكاتب الناجح)، وهو كاتب القصة ثم الرواية، ولديه طقوس في الكتابة ولكل قصة ورواية ملهمة أو تكاد ملهمة لعدد من القصص والروايات، ولكنه لم يستقر في علاقة بل يكرر تجاربه بعدد تجارب كتابته، ومن ملهماته: هناء(زوجته)، وياسمين(طالبة عند الكاتب الناجح وهي كاتبة قصة) وملهمة، زينة(خادمة في مؤسسة عمر) ملهمة، شروق  نجمة غناء وهي ملهمة، ثريا زوجة الشاعر ملهمة، زعيمة الزوجة الثانية للشاعر وهي ملهمة، رجينا فنّانة تشكيلية ملهمة، جون الصينية مغنية أوبرا وهي ملهمة، رجاء الصحافية السعودية وهي ملهمة. 4- صباح (المخرجة السينمائية): صديقة أمينة، وعلاقاتها مع صاحب وجه الكلب، وسيباستيان صديقها الفرنسي. ماذا تعني شخصيات الرواية، وثقافة الحوار بين المتحاورين؟ وكيفية تحريك هذه العلائق العنكبوتية؟  وسر الأسماء المختارة؟ ترتكز الروايةُ على شخصيتين مهمتين تدور حولهما الأحداث، وترتبط بخيوط رفيعة مع شخوص آخرين تقتربُ حيناً وتبتعدُ أحياناً،وتشتبكُ أو تتقاطع حيناً أخرى،هما (أمينة) زوج عمر، والكاتب الناجح(إدريس). ورأس الشخصيات مثقفان، (أمينة) تخرجت من كلية الآداب وهي صاحبة مؤسسة نشر، علاقتها بالمثقفين. أمّا الكاتب الناجح، فهو أديب مشهور، وهكذا تنتمي الشخصيتان لطبقة راقية. الشخوص الأُخر(عمر-مثقف وهو صاحب دار مرايا أيضا-من الطبقة الراقية)و (صباح-مخرجة سينمائية –من الطبقة الراقية)، (ومن الطبقة الراقية أيضا ومن المثقفين من ذات الطبقة: كوثر،سارة،هناء، شروق،ثريا، زعيمة،رجينا،رجاء)، أمّا منْ كان من الطبقات الفقيرة والمسحوقة( فطومة-خادمة، زينة-خادمة). وقد تنوّعت جنسيات الشخصيات التي ارتبطت بعلاقات مع بطلي الرواية (أمينة،إدريس) وهذا التنوّع يعني تنوّع في التفكير، والتقاليد والمفاهيم، والطقوس، لذلك تجد أن الشخصيتين حينما يلتقيان في حوار مع خيوط اللعبة في الرواية، تختلف في أسلوب الحوار وطريقة التناول بحيث تنسجم مع تقاليد وأجواء تلك الشخصية ( صباح، أو صبري، )بالنسبة الى أمينة، و( ياسمين، أو زينة، أو رجينا..) بالنسبة الى (إدريس)، ولقد كانت مستويات الحوار مدروس بشكل دقيق في اختيار الألفاظ والصور والمسميات مع الفنّان التشكيلي، أو مع المصوّر، أو مع المبدعين، وبين الجانب الآخر بلغة بسيطة للخادمة، أو المرأة الكبيرة، أو لغة وأحاسيس أم عمر المرأة المريضة، وكأنك تراها وتسمع صوتها.. بل تجد لغة الحوار عند ذات الشخصية يختلف بين  ساعات المحادثة في الأوقات العادية وفي أوقات الأحاسيس المتفجرة.   ثانياً: المكان في الرواية: 1- المملكة المغربية: وتتركز الأحداث وأقطاب الرواية فيها، فهي أرض وأجواء الرواية وما تملكه من تراث وفلكلور وعلاقات ولغات وعواطف..، وأنت تقرأ الرواية تتنفس المغرب من الغلاف الى الغلاف، وتتجول في جنوب المغرب مع كاميرا (صباح) المخرجة السينمائية وجلسات الشعر الحساني، واحتفال المرأة الصحراوية بطلاقها( ص: 31)، ثم قرية “ايمينتانوت” بضواحي مراكش، والدار البيضاء مركز الأحداث(ص: 84) وإشارة أخرى الى حلويات الدار البيضاء( ص: 141)، وقرية (إيمسوان)الساحلية وتصفها بدقة الجغرافي، وهذه القرية تتربع بين مدينتي الصويرة وأكادير، ببحرها الصاخب ومينائها التقليدي الصغير وصياديها البسطاء الطيبين (ص: 105)، وإشارة الى مطار محمد الخامس(ص:155)، ومراكش الحمراء( ص: 178). 2- فرنسا: أجواء الثقافة الفرنسية في متن الرواية، حيث صباح المخرجة السينمائية وثقافتها الغربية، درست الإخراج في فرنسا(ص: 31)، تتحدث أمينة عن بداية علاقتها مع صديقتها كوثر التي أصبحت عشيقة زوجها عمر، أنها تعرفت عليها بعد سفر زوجها عمر الى فرنسا (ص: 159)، دراسة ابنة عمر وأمينة(خوله) في فرنسا، وعادت خوله الى باريس(ص: 166)، 3- ألمانيا: حيث ظهرت مدينة فرانكفورت، في حوار أمينة مع زوجها عمر، منذ خمس سنوات كنت قد سافرتَ الى معرض الكتاب بفرانكفورت(ص: 118)، ومن حوار لإدريس مع صديقته الفنانة التشكيلية، أنثى حد النخاع وكان ذلك بألمانيا، وبالتحديد ببرلين..(ص: 133)، وقول إدريس: بكتابة نص حول حكاية حائط برلين ..(ص: 130). 4-فلسطين: فنان فلسطيني( تقصد صديق أمينة وأسمه صبري) ص: 119، ومن حوار أمينة مع زوجها عمر: ..وتعبّر نظرته وهو يتحدّث عن طفولته برام الله (ص: 120). 5- مصر: حوار للكاتب الناجح أدريس يقول،.. يجد رسالة تحمل دعوة للمشاركة في ندوة بمكتبة الإسكندرية (ص: 110)،وفي حديث لإدريس عن ملهمته (النجمة شروق)، واستقرت في القاهرة لتحقق طموحها في أن تصبح نجمة عربية( ص: 102). 6- هولندا: وفي ذكر هولندا بالأحداث التي جرت للخادمة فطومة أيام علاقتها بابن عمها الحسين، وكيف سافر الى هولندا، وكيف تحضّر وتهيّأ نفسها للسفر إليه (ص:105)، بعثوا لها برخصة إقامة بروتردام(ص: 107). 7- النرويج: في حديث أمينة عن صديقها المصور الفوتغرافي،.. لفنّان فلسطيني مقيم بالنرويج، وفي قولها:.. تعالي الى النرويج..(ص: 187). 8- الصين: في رحلة إدريس الكاتب الناجح الى الصين، بقوله: .. على ضفة النهر بمدينة هانغشان الصينية، حيث كنتُ أشارك في مهرجان ثقافي..، وقوله أيضا : .. في نزهة على الجبل الأصفر(ص:146)، ..غادرنا الفندق لنعود الى مدينة شنغهاي..(ص:151)، وقوله أيضاً: .. وأنها تأتي الفندق مرة في الشهر من العاصمة بكين..(ص: 152). 9- دول الخليج والسعودية: قصة أداء فريضة الحج للخادمة فطومة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم.. (ص: 42)، وفي الحديث عن كوثر: كوثر تعمل مضيفة في شركة الطيران الإماراتية، تعرّفَ عليها(عمر) في إحدى رحلاته الى معرض الكتاب بالشارقة (ص: 57)، وفي حوار لإدريس يقول: .. كانت خلال مشاركتي في ندوة أدبية بإحدى دول الخليج(ص:160)، وقوله: … لكنها كانت سعودية تعيش وفق قوانينها الخاصة(ص: 161)، .. مطلّقة ولها أربعة أطفال يعيشون مع والدهم بجدة..(ص: 161). 10- بولندا: حديث الطبيب بقوله: .. عن حالة البولندي الذي استفاقَ من غيبوبته..(ص:166). 11- أمريكا: .. صوت ابنها أمير قادم من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يدرس..(ص:144) .   لماذا هذا التنوّع المكاني؟ وماذا يعني المكان في الرواية؟ نحنُ نعلم أن المكان والزمان عنصران مهمان في البناء الدرامي لأي عمل قصصي أو روائي، أو تلفازي أو سينمائي، أو مسرحي، أو أي عمل إبداعي آخر. وهكذا زجّت الكاتبة بلداناً كثيرة متباعدة جغرافياً وثقافياً .. ولكن لماذا؟ لأن الكاتبة تعي أن العقدة ومشكلة البحث في الرواية لم تكن محلية، بل الموضوع الذي تناولته يصلح في أي مكان من هذه الأماكن، بل أن جميع هذه الثقافات والاتجاهات واللغات تعي هذه المشكلة، ولابدّ للكاتبة أن تقف لتضع حلولها الناضجة المعبّرة عن أفق مفتوح وفق نصّ مفتوح يسع للكثير من التأويل والكثير من القراءات، فهنا ترجمت العولمة، وجعلت من هذا العالم المترامي الأطراف قريةً صغيرةً، تحاول أن تجعل من صفحاتها وحروفها مفاتيح (كيبورد) تحاول تقريب كل الأفكار والمعتقدات المتطرفة والمعتدلة، المغلقة والمفتوحة، الكلاسية والحديثة، لتضع هذا الجهد يستطيع أن يفك رموز وطلاسم مجموعة علاقات معقدة ومتشابكة، وتتبنى اتجاها وطريقاً جديداً لم يسلكه أحدٌ سواها..لتضع بين هذه الدول المختلفة في الثقافة والتقاليد مشتركات إنسانية تلج من خلالها الى كبد الحقيقة.   ثالثاً: النّصوص المُلهمة في الرواية: 1- قول كاتب ياسين(ص:6): ” أحب في كل امرأة كل نساء العالم..وفائي لهن واحد لا يتجزأ.. وحدها اللامبالاة خيانة.” 2- قول مالرو (ص:15):” الحياة لا تساوي شيئا..لكن لا شيء يساوي الحياة.” 3- قول فيرجينا وولف (ص:15): ” إننا لا نتخلى عن عيوبنا بل عيوبنا هي التي تتخلى عنّا.” 4- قول مكسيم غوركي(ص:17): ” الكُتّاب يشيدون قصوراً في أسبانيا، القرّاء يسكنونها، والناشرون يتقاضون ثمن الكراء.” 5- قول فان غوغ(ص: 27): ” يجب أن نحس أولاً بما نريد التعبير عنه.” 6-قول بول ايلوار (ص: 28): ” الجمال لا يأتيني أبداً بدون حب.” 7- أبيات بول ايلوار(ص:38): ” الجبينُ على زجاج النافذة/ كما هو حال الساهرين التعساء/ أفتش عنك عبر الإنتظار/ عبر نفسي/ ولا أعود أعرف لشدة ما أحبك/ أيّنا الغائب..” 8- مقولة ونستون تشرتشل( ص:44): ” سيسامحني التأريخ لأنني أنوي كتابته.” 9- قول روني شار(ص: 56):” الأساسي مهدّد دائماً من طرف ما هو تافه.” 10- قول أوسكار وايلد(ص: 68): “إن الإلهامَ يأتي من الأعماق.” 11- مقولة الكاتبة جورج ساند(ص:81): “لستُ معجونة من فضيلة،ولا من أخلاق نبيلة، أحب فقط، لكن أحب حدّ الجنون،مستبدّة أنا ولي عطش للمطلق.” 12- قول لورد بايرون(ص: 91):” من الأسهل أن نموت من أجل امرأة نحبها.. على أن نعيش معها.” 13- قول موريس شبلان(ص: 111): ” الكاتب لا يقرأ لزملائه..أنه يراقبهم.” 14- أبيات للشاعر فرناندو بيسوا(ص: 140): ” ضاجعتُ كل المشاعر/ كنتُ قواد جميع الإنفعالات/ كل الأحاسيس الصدفوية ضيفتني على موائد الآخرين/ غازلتُ كل إشارة مؤدية الى فعل اللذة/ ووضعت يدي في يد كل شهوات الرحيل..” 15- مقولة جبران خليل جبران(ص: 154):” يغمسون ريشاتهم في قلوبنا ويزعمون أنهم مُلهَمون.” لماذا اختارت هذا العدد من المثقفين؟ وهل هو مجرد استعراض لثقافة الروائية؟أو أنها تريد أن تقول أنها اطلعت على هذا الكم الهائل من المؤلفين ومؤلفاتهم؟ ….؟؟ وأنت تقرأ الرواية في كل صفحة تجد التنوّع بل لا تجد الملل، أو التكرار المُمل، بل تجد التنوّع، فكما جعلتنا الروائية ننتقل مكانياً في دول متباعدة ومختلفة، تنقلنا في اختيار نصوص نثرية أو شعرية،وهذه الاختيارات لم تحسها مفروضة، أو ملصوقة بأطراف الحوارات، أو أنها تشوّه حالة  التصاعد الدرامي الذي يتفاعل في حوار أو (فلاش باك)، أو .. بل جاءت في صلب الحوار والموضوع، بل جاء متمّماً له، وكذلك ينم هذا العمل عن الثقافة الموسوعية العالية التي تمتلكها الكاتبة، وإحساسها بأن تكون هذه العبارة هي التي تعبّر عن هذا الموقف دون غيرها. والمتتبع لروايات وشعر الكاتبة المبدعة يجد هذا الأسلوب موجود في كل مؤلفاتها وتعتنقه مذهباً. رابعــاً:الأمراض البدنية والنفسية في الرواية: 1- الغيبوبة، التي عاشها (عمر) بعد حادثة السيارة. 2- الزهايمر، المرض الذي أصيبت به والدة عمر(مريم). 3- سرطان الرّحم، الذي أصيبت به (هناء) زوج الكاتب الناجح(إدريس). 4- مرض التشوّه الخلقي في القلب، أصيب به ابن عمر(قيس). هل وجود هذه الأمراض اعتباطاً؟ ولماذا هذه الأمراض دون غيرها؟؟ الأمراض التي أصيب بها بعض شخوص الرواية، ترتبط بخيوط العلاقات المتشابكة بينها، فإصابة أحد الملهمات(هناء)، يعني ذبول الإلهام ونهاية مرحلة، وإصابة (عمر) تعني انتهاء مرحلة من مراحل الإلهام بل كان العرّاب للكاتب الناجح، أمّا (الزهايمر) فهو مرض العصر، وهو الشائع حالياً في كل أرجاء العالم. والمرض الذي أصاب ابن (عمر وأمينة)قيس، هو إشارة الى مرض العلاقة الزوجية واضطرابها. فهكذا كانت الأمراض عللاً في تدهور حالة أو علاقة في السلوك بين شخوص الرواية.   خامســاً: الإلهام والتطهير: الإلهام مكتسب، يأتي من خارج الذات، حيث يكون دافعاً للإبداع وقد يكون الإلهامُ من طبيعة وبيئة المبدع، جمال المكان، رياض، بساتين، ضوء القمر، نهر، …أو يكون الإلهام من خلال موسيقى، أو عمل فني بكل أشكال الفنون… والإلهام وُلدَ مع ولادة الإبداع، منذ أول قصيدة، وأول كتابة، ولكن بصورها البُدائية، فكلنا قرأ الأدب والتراث العربي الجميل، فوجدنا الإلهام يعانق أجمل القصائد وأجمل لوحات ومصنّفات العرب قديماً، ونلاحظ صورة الإلهام الأولى لدى المبدعين العرب ترتبط بأحادية الإلهام، أي ترتبط بملهم واحد في أغلب الحالات أو الشائع منها، لذا ارتبطت أسماء كثير من الشعراء بأسماء ملهماتهم، فكان لكل شاعر ملهمة تتداولها قصائدهم، وتُغنى في مجالس اللهو والعبث، فقد ارتبط اسم امرئ ألقيس بـ(عُنيزة)، واسم عنتر بـ(عبلة)،وارتبط اسم قيس بـ(ليلى)، واسم جميل بـ(بثينة)، وكُثير بـ(لبنى)، وهكذا..في كل عصر ومصر.. أمّا التطهير، فهو ينبع من الداخل ليظهر بعدئذ نحو الخارج، فالتطهير من حيث اتجاه الفعل عكس الإلهام.ولابدّ من تقديم للتطهير، من خلال قراءتنا لبعض المصادر والكتب منها القرآن الكريم، وكتب التاريخ المختلفة، فهناك إشارات الى أن التطهير بصورته الجلية وضّحها القرآن الكريم وبصوره الأخلاقية، لأن الإسلام رسالة طهارة ونظافة وأخلاق، في آيات القرآن إشارات مهمة لهذا الموضوع، منها:{ لا يمسّهُ إلا المطهّرون} سورة الواقعة: الآية 79،يعني –سبحانه- تطهير النّفس، و{إنّ اللهَ يحبّ المتطهرين.} سورة البقرة: الآية222،وتعني تطهير النّفس، و{ ومطهّركَ من الذين كفروا.}سورة آل عمران: الآية 55، وتعني: يُخرجُكَ من جملتهم ويُنزّهكَ أن تفعل بفعلهم.، فالطهارة في ثيمات العقائد تبدأ بطهارة القلب ودخول السكينة، بل وأن التطهير موجود في معظم الديانات، ومنها المسيحية، والصابئة حيث التعميد بالماء، بل ومفهوم التطهير متوارث من طقوس المعابد القديمة في حضارتي وادي الرافدين، ووادي النيل، حيث استخدمَ -السومريون والبابليون-الماء، ودم الضحية-النذور والقرابين-،لتطهير المعابد والمنازل، وهذا الإعتقاد أصبح تقليداً الى يومنا هذا، فمن ابتنى داراً أو حلّ في مكان جديد يذبح ضحية ويأخذ قليلاً من الدّم يضعه على جدران المنزل، واستخدم المصريون الماء كمادة للتطهير، واستخدم الإيرانيون (فارس) النار للتطهير، واستُخدمت كلمة (التطهير) في مختلف لغات العالم، وبصيغ مختلفة، وبألفاظ أخرى، فباللفظ الإغريقي القديم (catharsis) وكل الألفاظ وبكل اللغات تحمل معنى: التطهير. وشهيرة هي فلسفة (التطهير) التي وضعها (أرسطو) في كتابه(فن الشعر) فهو أوّل منْ استخدمَ مصطلح التطهير،بمعنى “الانفعال الذي يحرّر من المشاعر الضّارّة، وقد عرّفهُ: تطهير النّفس البشرية من أدران انفعالاتها”، وهكذا أكّدهُ (أسخيلوس وسوفوكليس ويوبيدس)، حيث قالوا أنّ التطهير يعني:” تطهير النّفس البشرية من عاطفتي الخوف والشّفقة.”  ومع مرور الزمن تحوّلت هذه المفردة وهذا المصطلح الى مفهوم فلسفي وجمالي له علاقة بالتأثير الإنفعالي الذي يستثيرهُ العمل الأدبي والفني. وهكذا نقرأ رواية (المُلهمات) قراءةً وفق مفهوم وفلسفة التطهير، حيث الصورة الإنفعالية لـ(أمينة) وهي تستدعي كل انفعالاتها وما تختزنهُ ذاكرتها وروحها من أخبار وقصص كي تبوح بها لزوجها(عمر9 في غيبوبته، فهي لم تقصد من فعلها أن تداوي زوجها أو تطببهُ بقدر ما كانت تريد إزاحة كوابيس جاثمة فوق صدرها، وجبال من الهموم والمرارة عبر سنوات طويلة، فكانت تعالج نفسها أولاً بأسلوب(وداوني بالتي كانت هي الداءُ)، وهكذا كانت في كل جلسة في المصحّة مع زوجها هي جلسة لها وليس لغيرها. وكذلك الحال للكاتب (إدريس) الذي كان يكتب بعد عملية تطهير ذاتي يمارسه بالفعل نتيجة لتراكمات الماضي حيث شكّلت لوحة الجنس، البوصلة التي تؤشر حركته وإبداعه، فربطَ كل تطهير فعلي جنسي مع امرأة بعمل وإبداع، فالنساء لم يكنّ ملهمات بمعنى الإيحاء لموضوع وبحث، بقدر ما كانت المرأة وسيلة تفريغ(تطهير) يعاني منها منذ صغره..والى ذلك نشير ليس كل الملهمات جعلنه يكتب، فهناك من النساء منْ وضعتهُ ملهماً لها وجسراً تمر عليه، مثال ذلك تلميذته الكاتبة(ياسمين) التي صعدت وعبرت عليه ونجحت في مشوارها الأدبي، بل والفنانة التشكيلية التي استثمرته في أعمالها(رجينا)..وهكذا…فالتطهير من الداخل هو الذي كان محرّكاً لتصاعد وتنامي الأحداث في الرواية صعوداً نحو الذروة. شكــراً للروائية المبدعـة، التي جعلت قرّاءَها يستمتعون ويحللون بوجهات نظر مختلفة، وهذا دأبها، وهو نجاح كل عمل إبداعي..   قراءة: د. وليد جاسم الزبيدي     “فلسفة التطهير في رواية الملهمات”، وليد جاسم الزبيدي، وكتاب “أوراق ورأي”، دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، 2012.   صحيفة المثقف، الاثنين 25/4/2011، العدد 1738.   http://www.almothaqaf.com/qadayaama/qadayama-09/47697-2011-04-25-03-52-44    

Leave A Comment

Recommended Posts