0%
Still working...

“عندما يتعانق الطب مع الشعر ” :فاتحة مرشيد

سامر درويش:

“ورق عاشق” هو ديوان شعري للدكتورة الطبية فاتحة مرشد صادر عن دار الثقافة للطباعة و النشر – الدار البيضاء في المغرب.

فاتحة مرشيد: تمارس مهنة الطب منذ العام 1990 و تعد من الأطباء المشهورين في الدار البيضاء إلا أن مسيرتها بالكتابة قد ابتدأت منذ طفولتها المبكرة عندما كانت تكتب الأشعار و تحتفظ بها تحت وسادتها .

لها عدة أعمال شعرية و أدبية كان آخرها رواية بعنوان : “لحظات لا غير”، صدرت في العام 2007، إلا أن لديوانها “ورق عاشق” طعم خاص يميزه عن سائر أعمالها لما يتضمنه من مشاعر و أحاسيس و صور نقلتها إلينا “فاتحة” مستعملة أسلوبا متنوعا يعتمد إبراز جمالية المعنى و الصورة بلغة يغلب عليها الطابع الأدبي، بعيدا عن أجواء الأوعية الدموية و الشرايين لكن ليس بعيدا عن القلب.

أوقات الحزن و الفرح

أول ما يلفتنا في الكتاب كيفية تعامل الشاعرة مع أوقات الحزن و أوقات الفرح و إيجاد التوازن بينهما في معادلة الحياة التي بتواليها و تعاقبها مع الزمن، تشكل عاملا أساسيا يتحكم بصحة الإنسان لكن ليس بقدرته على الشفاء، فسحر الشفاء و سره بالنسبة للشاعرة يكمن في “الحب” و في الحب وحده:

“كلما رف قلبي سعادةً

جثم الحزن بأغواري

هوّذا حضورك كالغروب

ساحر يشفيني”

و تكاد لا تخلو صفحة من الديوان من مناجاة الحبيب:

“أتسكع في سراديب عينيك

بحثا عني،

أتيه…في العتمة

يصدمني جدار” (ص89).

و هي تتجاوز أحيانا في لغتها مع الحبيب الخطاب المألوف لتذهب إلى اعتباره مصدر الأمان و الطمأنينة:

مدني برشفة تروي في غفلة

جداول القلب و صمت المساءات

مدني بفسحة تسع لبرهة

زخم حيرتي و ضيق الفضاءات

الوطن

و للوطن في قلب الشاعرة أيضا مكان، فنجدها تتوجه إلى أبناء وطنها ممن أجبرتهم قساوة العيش إلى مغادرته و الهجرة إلى أصقاع العالم المختلفة هناك حيث يصطدمون بأفق الانكسار و بمرارة الحلم:

“راحل إلى أفق الانكسار

ماذا وراءه؟

شظايا كؤوس و غصة تراب”

البشر و ليس الحجر

و هي لا تر ى جمالية الوطن في القصور و المباني و المعالم الطبيعية لكن في العنصر البشري و المواطنين الذين يسهرون على رسم الصورة الجميلة لوطنهم في الميادين كافة في حياتهم اليومية، في أقلامهم و سواعدهم و أفكارهم:

 “كم هشة هذه القصور

و قد بنيناها بسواعد من يقين

كم هشة هذه الروابط

و قد حفرت على الجبين

كم هشة جبالنا، و الصخور

يعزُ علي العمر

تعزُ علي دمعة مكابرة

و ضحكة أجهضت قبل حين”

و في الثلث الأخير من الكتاب تكتظ مجموعة من القصائد القصيرة على صفحاته و التي تكاد لا تتجاوز بعضا من الكلمات لكنها تختزن الكثير من الطرافة و المعاني فتحت عنوان “كي أحيا” كتبت الشاعرة (ص 137):

أسترق من الزمن المارق

رعشة  

كيما أموت من السكينة”

الأصدقاء: مرايا النفس

للصداقة عند الشاعرة أيضا مرارتها حيث تجد نفسها وسط مجموعة من الأشخاص يحيطون بها و تلتقيهم صدفة أو بانتظام، يحمل كل منهم قناعا يختلف عن الآخر في الشكل ولكن يحجب حقيقة أن يحظى المرء بصديق يصدقه ويرى فيه ذاته من دون زيف ولا خيانات:

سئم الأديم من تناوب الأقنعة

أيهم يا مرايا النفس لكم أقرب

جديدهم أم القديم” ص 141.

أما عن الألم و الوحدة فتنتصر عليهما الشاعرة بسهولة، فنجدها و قد استبدلت الألم بالأمل و استعاضت عن الأشواك و آلامها بالورود و آمالها:

“غادرت ألمي و رحت أنثر ورودا

على فراش السقم

عدت و قد برعمت وردة

موضع الألم”

أغنية الصرصار

ولا يخلو الديوان من لون المرح و الطرافة فهي تخصص فيه أغنية للصرصار الذي من شدة كسله نسي كيف يغني لحبيبته فبات اليوم يغني على أطلالها:

“نسي بالأمس أن يعزف

أوتارا مفاتنها

يغني اليوم

على أطلالها”

وفي نهاية الديوان نقع على معادلة أخرى تحاول أن تضيفها الشاعرة بالكلمات، فبعد معادلتها بين موازين الحزن و الفرح في بداية الديوان، هاهي تصل إلى معادلة أخرى بين موازين الذاكرة و النسيان:

نسيانه رحمة

بعض تذكاره …. نعيم

يغفو البحر مبللا بعرقي

و أنا أطفو بين الحنين و الحنين”

طافية بين الحنين و الحنين على سطح البحر المبلل بعرقها، أتمت الشاعرة آخر كلمات ديوانها “ورق عاشق” الذي صمم غلافه و أنجز الرسومات الداخلية التي تتخلل القصائد فيه الفنان المغربي أحمد جاريد.

يومية الإنشاء 7 أيلول 2007 – العدد 6954

Leave A Comment

Recommended Posts