جورج جحا – بيروت –
في مجموعة الشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد التي حملت عنوان “ما لم يقل بيننا” شعر هادئ النبض، على كثافة ما يحمل، ووجداني بعيد الأغوار في النفس دون صخب أو هدير.
وهذا الذي لم يقل وقالته الشاعرة شعر نجد فيه عميق البوح يأتي في صور هادئة يغلب الرمزي على كثير منها، كما نجد قصائد المجموعة متلاحمة متداخلة حتى نكاد نقول إنها قصيدة واحدة.
والواقع انه ليست هناك في المجموعة قصائد مقسمة منفصلة تحمل كل منها عنوانا وتقول لنا أين تبدأ حدودها -من حيث الأسطر- وأين تنتهي.
الشاعرة تركت صفحاتها دون تقسيم ودون عناوين وحيث تنتهي صفحة تبدو لنا خاتمة قصيدة لتبدأ صفحة أخرى توحي بأنها بداية أخرى.. لا نلبث أن نجد تلاحما وتكاملا واستئنافا هنا أو هناك لما سبق. فكأن كل شيء في المجموعة هو نتيجة تجربة واحدة وابن حالة واحدة تعددت ألوانها لكنها بقيت في شبه توأمية واضحة.
فاتحة مرشيد تقول بهدوء أخاذ يحمل القارئ إلى عالم من الأغوار المرسومة فنيا بطريقة تفيض إيحاء وإمتاعا. والمجموعة تشكل كتابا مما يقال فيه بالفرنسية المعربة انه “أنجليه أراب” أي يجمع بين اللغتين العربية والانجليزية. الأصل هو النص العربي الذي كتبته فاتحة مرشيد ومقابله ترجمة إلى الانجليزية قام بها نور الدين زويتني فجاءت شديدة الشبه بالأصل العربي.
جاء النص العربي في 72 صفحة متوسطة القطع كما جاء النص الانجليزي في 72 صفحة مماثلة. وقد اتبع المترجم فضلا عن روحية النص الأصلي نمط تقسيم القصائد -أو القصيدة الكبرى- نفسه.
صدرت المجموعة عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء في المغرب وبيروت في لبنان.
الدكتورة فاتحة مرشيد المولودة في مدينة ابن سليمان المغربية هي طبيبة أطفال وتكتب الشعر والرواية ولها برامج تلفزيونية تربوية صحية وأخرى أدبية شعرية.
نبدأ بما نفترض انه القصيدة الأولى فنقرأ:
“جريحان/ نحترس من ليل/ انتظرناه طويلا / وكان اقصر من لذة…/ تنقر دقائقه /على تعبنا / كوهم بهدوء../ قد كان حلمنا وعدا بصخب.
“جريحان / والعتمة للضوء / نسيان/ وشفاه/ بطعم الرماد / تبلل /جمر العتاب.”
تنتهي الأسطر في منتصف الصفحة فننتقل إلى صفحة جديدة ونقرأ تصويرا حسيا ومعنويا لوضع “مادي” يتحول إلى حالة نفسية “في الممر المفضي إليك/ تستبقيني واقفة/ كنخلة../ لا تحسن الخضوع.”
ننتقل من هذه الصفحة الفارغة في نصفها الأخير إلى صفحة جديدة فيها ثلاثة اسطر تشكل صورة موحية جميلة تجمع بمتعة بين ضدين أو نقيضين. تقول بما يبدو تتمة لما سبق:
“ارفع أغصاني / إلى السماء../ نحو أغواري.”
وننتقل إلى صفحة جديدة بسطرين يفيضان متعة في استخدامهما لما يبدو تناقضا. تقول متابعة ما قالته:
“كم يلزمك من رحيل / لتعود أكثر “
وفي الصفحة الجديدة التالية تقول الشاعرة:
“جريحان / وهذا الليل متربص / كخطيئة / مشرعة على السماء / وأكف لا ترى مبررا / لمصافحة القمر”.
بعد ذلك صفحة جديدة فيها تتمة أو خلاصة، تقول:
“كم يلزمني من مجيء / لابتعد أكثر”.
وننتقل إلى صفحة أخرى فنقرأ:
“جريحان / وتطن كؤوس / كخيبة ظن / وهذا الحر في شماتة / يثلج الحواس / وتسقط الأعضاء / عن بعضها /في ضجر”..
ومن هذه الصفحة إلى صفحة أخرى نقرأ فيها ما يبدو خاتمة إذ تقول فاتحة مرشيد:
“كم يلزمنا من سقوط / لننهض أكثر “
وننتقل إلى ما يبدو موضوعا آخر عند الشاعرة التي تتداخل موضوعاتها في وحدة عضوية ووحدة في التجربة الشعورية حيث تقول في جو حافل بالإيحاء فيه يتضافر الحسي والرمزي على خلق صور ومتعة من المحزن ومن الغربة، تقول:
“غرفة بلون الأنين / أضاعت زرقتها / حيث ضاع المثنى / لن يقوى شبقك / على ترميم الحكاية../ عاشقة / كنتها / تتنكر لي / بغربة السرير / وكحلي السائل / يوقع الوسادة.. / بين سورة غضبي / وهدوئك المصطنع / تعجز دمعة / عن فك حشرجة / تنحصر بيننا.”
بيروت – رويترز- 24 مايو 2011
ara.reuters.com