0%
Still working...

شاعرة الحب الحزين

د. عدنان الظاهر:

فيزيك / ميتافيزيك الفراغ

شعر الدكتورة ( فاتحة مرشيد ) هو شعر الحزن الراقي ذي السمت العالي دونما كبرياء أو تعالٍ. دونما جلبةٍ وتصنّع وصخب. لا يشذ عن ذلك شعرها في الحب وخطابها للجنس الثاني. بل، وفوق الحزن الشفيف نتلمس آثاراً قويةً للريبة في الآخر والحذر الشديد في التعامل معه خاصةً في لحظات الدنو منه والتماس معه. يبعدها حذرها حال دنوها وتنأى هي بنفسها إذ تقترب من الهدف. تماماً كما الألكترون…. يبتعد عن نواة الذرّة حين يبلغ مسافة محددة من مركز الذرة. يحار القاريء  والدارس  والناقد

إذ يفكّر في الأسباب…. ولربما يطول به التفكير فلا يجد جواباً مقنعاً مهما طال تفكيره ومهما قلّب وجهات نظره ومهما شرّق وغرّب طولاً وعرضاً.

ليس من حق أحد التطفّل على حياة وأسرار الشاعرة أو السؤال منها عن أسباب هذه الظاهرة.  الشعراء يكتبون ما يريدون كيفما شاءوا والقرّاء يفسرّون عن بعد كيفما شاءوا،  فمتى وكيف يلتقيان وكيف يجتمع قطبان جغرافيان متقابلان لا متعاكسان ؟؟

نعم، حزن ( فاتحة ) حزن خاص جداً له القدرة على الإنتقال بالعدوى لأعصاب قارئه. فهل الحزن عموماً أفكارٌ خالصةٌ  أم مشاعر خالصة أم مزيجهما ؟ أعني بالطبع الحزن الذي نقرأه مكتوباً  أومطبوعاً على الورق لا الحزن المرافق للبكاء والنحيب المسموع. فمن أين تأتي قدرة مثل هذا الشعر المكتوب على نقل أحزان صاحبه لدخيلة نفس قارئه، من أين ؟؟

يزداد عجب القاريء إذا علم أنَّ ( فاتحة ) هي طبيبة إختصاصية مترفة الشخصية والتكوين والوضع العائلي والإجتماعي وتحت تصرفها كل أو جل ما بيتغي الإنسان في حياته. فلماذا الحزن يصبغ حياتها الوجدانية الشعرية ويكاد يطغى على كل ما كتبت ونشرت من كتب ؟ [[ أنصتُ لآلام الآخرين… لا أحد ينصتُ لآلامي / قصيدة ” الوزرة البيضاء ” الصفحة 62 ]].  كيف تتعايش طبيبة مع الحزن وهي التي تزيل أو تخفف أحزان البشر ؟ هل كان المسيح يشقى  ويحزن إذ يُشفي المرضى ويقيمُ الموتى من قبورهم أم يبلغ أقصى مراتب السعادة ؟ تطرّقتُ لذكر المسيح لأنَّ الشاعرة ( فاتحة ) قد ذكرته في قصيدة ” نداء ”  رمزاً وإشارةً لحادثة وقعت لها ذاتَ يوم  في حياتها ربما خلال إقامتها في فرنسا. قالت تخاطبُ رجلاً (( ما زال المسيح ينبضُ فيك )).

حزن فاتحة هو حزن الأحزان. وسأتعرض بشيء من التفصيل لبعض نماذجه الأشد تأثيراً في النفس البشرية والأكثر إلتصاقاً بروح الشاعرة الجريئة دون مبالغات ولا إدعاءات والخالية من الغرور والبعيدة كل البعد عما أُسميه (( تضخم العقدة النرجسية )) المتفشي عادةً بين أغلب الشواعر والشعراء. حزن من نوع جديد غير مألوف وغير مسبوق. حزنها هي لا حزن الآخرين. حزن أعماقها ونشأتها وحياتها وتأريخها وتجاربها ثم تركيبها النفساني والعصبي.

نماذج من الحب الحزين والحب المُرتاب في  كتابها الموسوم [[  إيماءات

/ الطبعة الأولى 2002 ، الناشر : دار الثقافة ـ الدار البيضاء ]].

قصيدة ” خوف ” / الصفحة 16 :

أخاف منه وقد فاضَ بداخلي….

أنْ تفضحه عيوني

أخافُ من غدٍ يُعلنُ عن سرّي وجنوني

أخافُ من أحلامنا معاً

أخافُ منكَ

أخافُ منّي.

ذكرت الشاعرة لفظة < أخافُ > خمس مرّاتٍ في بضعة أسطر. أقرأ هذه السطور الباذخة في بوحها وسرّها وإعلانها فأجدني وجهاً لوجه مع ما قالت ( ولاّدة بنت المستكفي ) لشاعرها إبن زيدون وما قال الشاعر الأخطل الصغير بشارة الخوري. قالت ولاّدة :

أغارُ عليك من نفسي ومنّي

ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ

وقال الأخطل الصغير :

لم يكنْ لي غدٌ فأفرغتُ كأسي……  ثم حطّمتها على شفتيا

لا تغار السيدة فاتحة لكنها تخاف. ليس فيها شيء من غَيرة الشاعرة العاشقة  بنت المستكفي الأندلسية ولكن…. فيها بعض يأس بشارة الخوري اللبناني. فاتحة تخشى من غدٍ يأتي فاضحاً أسرارها وما تعاني من ولهٍ يشبه الجنون في فورته وعنفوانه. لا غدٌ لبشارة فأفرغ في جوفه كؤوسه ثم كسّرها فوق لُماه. لا تتكلم فاتحة عن الكؤوس والخمور ومشتقاتها إلاّ نادراً. لعلي وجدتُ موضعاً واحداً ذكرت فيه النبيذ ذكراً عابراً لا كما يفعل المدمنون والخمّارون وما أكثرهم بين الشعراء منذ أبي نؤاس العراقي حتى المرحوم عبد الوهاب البياتي الذي قال يوماً (( لا غالبَ إلاّ الخمّار )).

ولاّدة تغار وفاتحة تخاف. حسناً ما وجه العلاقة أو هل ثمّة من عَلاقة بين الغيرة والخوف ؟ قد نجد الجواب إذا عرفنا دافع الخوف ومسبباته. فاتحة تخشى إنكشاف أسرارها. وتخشى إفتضاح جنون حبها. تخاف { منه }…. تخاف ممن تُحب لا تغار عليه من سواها من بنات جنسها. تخاف منه خوفاً مشروطاً : فلقد ملأ حياتها وإستحوذ على كيانها الداخلي…. إستوطن فيها. من هنا أتى الخوف ولسوف يأتي. الخوف من الفرقة التي قد تأتي بعد هذا الإستيطان والإستحواذ. الخوف من القطيعة ومن الهجر وما يتبع الهجر من عذاب وأحزان وآلام. ثم أضافت فذكرت المزيد من حالات الخوف : الخوف من الأحلام المشتركة والخوف منه ومنها ذاتها. حياتها إذن خوف في خوف ولا مفرَّ منه فمن ذا يلومها إذا ما حزنت وإكتأبت ولوّن حزنها كل وجودها أرضاً وأُفقاً وسماءً ؟؟ إنها تخشى وترتعد فَرَقاً من مجرد فكرة {{ الفراغ }}. أجلْ، الفراغ يقتلها أو يكاد. يقول المتصوّفة إن وجودنا العياني بأجسادنا هو فراغنا  مملوء بنا. أو إننا نملأُ فراغاً لا أكثر…. فيا لخيبة بني آدم. هنا أجد محنة الشاعرة فاتحة مرشيد. هي حالة شبيهة بحالة التفكير ثم الخوف مما يأتينا بعد الموت…. السفر الذي لا يؤوبُ منه مسافر كما قال شكسبير في مسرحية ( هاملت ). الفراغ هو معضلة وعلّة فاتحة. هل هو فراغ ميتافيزيكي ؟ كلاّ، الفراغ حالة من حالات المادة. لا خلاء مطلق في الكون والكون مادة.

الخوف من الفراغ هو كظاهرة الخوف من الرؤية أو التطلّع للأسفل من مرتفع أو سطح دار أو بناية. ظاهرة مرضية  يعرفها الأطباء.

الخوف من الفراغ هو الخوف من المجهول. كالخوف من الموت وهوأجلنا الذي ننتهي إليه عاجلاً أم آجلاً ولا مهربَ منه فعلام الخوف ؟؟

قالت في قصيدة ” رجل من ثلج ونار “

ليتني أتنبأُ بميقات زلزال مٌريعْ

إنْ تشأ…. ومتى  شئتَ وديعْ

ليتني أعلمُ بأي الفصولِ أضيعْ.

متى وكيف يتأسس التوازن النفسي والطبيعي بين ” الرَوْع ” و ” الوداعة ” ؟ بين ما هو مريع وما هو وديع ؟ هل الشاعرة مجرد تابع أو عبد لمن تحب ؟ قارئة فنجان أو عرّافة بحظوظ البشر ؟ تقرأ التنبؤات وتستشرف آفاق المستقبل كما تفعلُ دوائر الأنواء الجوية أو كما فعلت قبلها ” زرقاء اليمامة ” ؟ زلزال مريع ـ زلزال وديع …. حسب مشيئة المحبوب. أين يجد القاريء هذه الشاعرة ـ الإنسانة الغريبة في مزاجها وفي أطوارها ؟ أين يُلقي عليها القبض كما هي لا كما تكتب في أشعارها ؟ هل في هذا الشعر تهديد مُبطّن للمعشوق وإنذار مبكّر في أنها قادرة وعلى كل شيء قديرة. قادرة على التحكم حتى في الزلازل. قادرة أن تنقلب من النقيض إلى النقيض. قادرة أن تكون ” مُريعة ” ومرعبة وأن تكون ” وديعة ” حسب ظروفها الخاصة أو حسب مزاج من أحبّت. طبيعة العلاقة بينها وبين الرجل الذي أحبّت ( وربما لم تُحب ) هي التي تفرض القرار الأخيرَ : زوبعةً وإعصاراً مدمرين أم وداعةً وإلفةً وإنسياباً في أنساق الحياة  الطبيعية ؟؟ هل في قلب الشاعرة زلازل كامنة ومهيأة للإنفجار في أيما لحظة وتحت الطلب ؟ هل في طبعها إستعداد للإنتقام والتدمير ؟ لا أظن ذلك أبداً أبداً. إنما هي المرأة ـ الإنسان المثالي النقي نقاء البللور. هي الإنسان السامي وإنها هي الطبيب الذي (( يداوي الناس وهو عليلُ )) كما قال بعض الشعراء. أو كما قال المغني الجزائري ( رابح درياسة ) في إحدى أغانيه التي خصَّ بها الممرضة (( تداوي الناس وتجرح قلب حبيبها )).

وضعت شاعرتنا في هذه القصيدة حبيبها المجهول بين خيارين : تريدني إمرأةً تدمرك …. أهلاً وسهلاً. تريدني إمرأة عاشقة وديعة مسالمة منقادة كالحمل الصغير…. أهلاً وسهلاً. ثم زادت (( ليتني أعلمُ بأي الفصول أضيع )). يخلف الضياعُ الدمارَ عادةً. أي إنها تود معرفة مصيرها المعلّق مع هذا الرجل الذي نجهل. تريد منه أن يحسم الأمر وأن لا يدعه معلّقاً بين الشك واليقين. إنها واللهِ لشاعرة [ السراط المستقيم ]. تمشي ولكن بحذر شديد محاولة قطع مسافة هذا السراط …. فإما بلوغ أطراف الجنة أو السقوط إلى هاوية الجحيم. نعم، إنها تمشي بشجاعة لا تعرف الخوف والوجل. تمضي إلى أهدافها “” فاتحةًً عينيها “” على أوسع ما تكونا غير مبالية بالمصير. عملية إنتحارية…. والإنتحار بين النساء أكثر منه بين الرجال.

(( ليتني  أعلمُ بأي الفصول أضيع )). لا تتكلم الشاعرة هنا عن فصول جغرافية ولا عن طقس ومناخ، إنما قصدت الوقت : الزمن. في أية مرحلة من حياتها ستضيع…. ستفقد من أحبّت. ستواجه الفراغ القاتل. الفراغ الذي يشبه الموت في كثير من الوجوه. ولقد جربّته في موت والدتها وفي رحيلها المبكّر عنها. كم موتاً يجرِّب الإنسان في حياته ؟ كم موتاً يرى بأم عينيه ؟ ولماذا نموت ما دمنا قد خُلِقنا ؟ ما جدوى حياتنا إذن ؟؟!! هذه هي حيرتنا في وجودنا وأساس حزن الكثرة الغالبة منّا… بني البشر…

والشاعرة ( فاتحة ) واحدة منّا وفينا ثمَّ إنها الشاعرة فينا.

نقرأ في قصيدة ” بطاقة ” وجهاً آخرَ للخوف، الخوف من المجهول وما قد يأتينا مع القادم من زماننا. هنا تلجأ أو تتوسل الشاعرة والمرأة بأجهزة كشف غيوب المستقبل  المسماة  هوروسكوب

 ( Horoscope )

لائذةً بأبراج الفلك المعروفة الإثني عشر، وأحدها برج الحوت ( لا أعرف دلالته بالنسبة لحظوظ المؤمنين به !! ). تحتكم إلى الخرافات ملتمسة يقيناً لا تجده بين يديها بل، وربما تشكك فيه أصلاً. تقرأ طالعها في جهاز لا يتكلم ولا يتنفس ، لا يقرأ ولا يكتب، تحاول إستنطاقه كيما يبشرها بخبر سار يبعث في نفسها الطمأنينة. خبر يقول لها إطمئني : سيكون غدك بخير وسيبقى معك ذاك الذي تحبين. الحوت بلغة شمال إفريقيا هو السمك بلغة أهل المشرق العربي. الحوت أو السمك يحيا في الماء فقط ويتنفس الهواء المذاب فيه. الماء هو الوسط الحيوي الطبيعي للأسماك والحيتان. نقلتنا الشاعرة برشاقة ودهاء إلى المياه من خلال ذكرها لحيوان الحوت المائي

( السمك ). فإذا ما حضر الماء حضرت الرغبة في السباحة والعوم فيه. معادلة تتداعى فيها مكوّناتها بخط مستقيم : حوت —- ماء —– سباحة. ولكن السؤال هو إين ستعوم سمكة الحوت المغربية بنت الأبيض المتوسط وبحر الظُلُمات ؟؟ لا تحتاج إلى بحار ومحيطات. يكفيها سطح أو مسطّح مليء بتجاعيد كما أمواج البحورلا أكثر. الأمواج ـ التجاعيد ما هي في واقع الحال إلاّ آثار مرِّ الزمان على وجوه البشر : العمر !! نقرأ قصيدة

” بطاقة ” البحرية الشديدة الأعماق البسيطة الألفاظ ولا نجد فيها شيئاً من قصيدة نزار قباني ” رسالة من تحت الماء “. صاحبة نزار تخاف السباحة لأنها لا تعرف فن العوم. [[ الموجُ الأزرقُ في عينيكَ يناديني نحو الأعمق. وأنا ما عندي تجربةٌ في الحب ولا عندي زورق / القصيدة ]]. أما فاتحة مرشيد فإنها سباحة ماهرة وخبيرة في فن قراءة تموجات الزمن في وجوه الناس. ساحرة تقرأ المستقبل ولا تسأل بصّارة نزار ( قصيدة قارئة الفنجان ) التي غناها عبد الحليم حافظ. لا تفتح كفها لقارئة ولا تقلب فنجان قهوتها الصباحية على ساحل البحر. تسأل، تسأل فقط من الهوروسكوب هل مكتوب عليها أن تعوم أو تسبح في تجاعيد من تهوى ؟ أي هل سيدوم الرومانس ما دامت وما دام الرجل أحياءً يحصون دقائق الزمن بساعات معاصمهم ؟؟ يترك الزمن بصمات أصابعه في أنحاء أجسادنا كافة مبتدئاً بالوجوه. ولقد أحسن المتنبي إذ قال :

زودينا من حُسنِ وجهكِ ما دا

مَ فحسنُ الوجوهِ حالٌ تحولُ

وصِلينا نصِلكِ في هذهِ الدُنْ

يا فإنّ َ المُقامَ   فيها     قليلُ

قصيدة  ”  بطاقة “

مرَّ حولانِ  ولا تزال ذكرى الوصال حيّةً فينا

وها إني عند فجرٍ أسألُ برجَ الحوتِ

إنْ كان سيُكتبُ لي أنْ أسبحَ في تجاعيدِ وجهك .

تتساءل ومرارة من ريبة وشك في رضابها : هل ستدوم علاقتها مع هذا الرجل طويلاً ؟ خائفة…. خائفة كدأبها أبداً. ترتعد أمام فكرة الزمن وما سيحمل لها الغد. هل شكّها ذاتي فيها أم إنه متأتٍ من خارجها، وليد تجارب سالفة فاشلة مع بعض الرجال ؟! تجارب مريرة زعزعت ثقتها بنفسها وبالآخرين على حد سواء. المرءُ  مركب شراعي في عرض البحر، والزمن ريح تجرفنا أنّى شاءت. الإنسان لُعبة صغيرة في أيدي الزمن. فمن يلوم الشاعرة إذا ما شككت في هذا الزمن الذي نسميه [ الغد ] وفيما سيحمل لنا من مفاجآت وضربات كالزلازل والبراكين تحطم حيواتنا وتقلب عاليها سافلها ؟؟ الشك…. الخوف…. الزمن…. الغد…. المجهول !!

رومانس فاتحة

ليس كل شعر ” فاتحة مرشيد ” شعرَ حزنٍ وندب وشجن، كلاّ، إنَّ فيه صوراً نادرة من فن الهوى الرائق والفائق الجودة. شعر خاص جداً جداً. شعر غاية في التوازن بين عاطفة الحب لدى الشاعرة ونوعية الخطاب الذي تتوجه به لمن تحب. لا تتوسل ولا تضعف أمام مُخاطبها  ولا تتعالى عليه. تخاطبه مخاطبة الند للند. لا إستخذاء ولا إستعلاء. تحتل لغةً وشعوراً وتعبيراً مكانة أو شرفةً رائعة الهندسة توجه منها خطابها السامي وتمد منها جسوراً متسربلة بالحس الإنساني العادل. لا تُسيء إلى من أساء إليها. لا تنتقم. لا تثأر. تتقبل جراحها قَدَراً مفروضاً كانت تتوقعه من قبل وقوعه. أقرأ شعرها في الحب فأُحس بدفء حميم صادق مُنزّه عن الأغراض الدنيوية فأعجب كيف بلغت هذه القمة وكيف بلغت هذا المستوى من العلوّ الخُلقي الذي لا يتوفر عادةً إلاّ في الأنبياء . تكتب في الحب فتجعلني أطفو وأهيم في بحار من أثير لا أود مفارقته، بل وأتمنى أن أموت فيه. إذا ما كانت قادرة على نقل حزنها إلى أعصاب قرّائها بالعدوى فإنها لأكثر قدرة على إيقاع قارئها تحت تأثير سحرها حدَّ أسره أو دخوله في أسرها طواعيةً. تتكلم من بعد فأجدها شاخصة أمامي جسداً وروحاً. يُخيل لي كأنني أكلمها وترد عليَّ. أكلمها دوماً فترد أحياناً. حيناً رادّة وأحياناً صادّة. فيها قدرة خارقة على تحويل قارئها إلى مجوسي يعبد النار والنور في عينيها.

أقرأ قصيدة ” رجاء ” فأكاد أتفتت لا عطفاً إنما تجاوباً مع ما تقول الشاعرة. أقع فريسةً لزخم إندفاعة الإفصاح عن مكنونات قلبها والكشف عن سريرتها النقية الصادقة. كلماتها ليست قذائفَ مدفع بل أمواجاً  بحرية مهيبة في حركتها متوازنة في تدفقها ودنوها من الساحل.  لا ترتطم مع حوافي الساحل ولكن تفقد فورة إندفاعها برفق ودعة وتغلق عينيها كحالة من يتوق بعد جهدٍ لأخذ قسط من الراحة. في الشاعرة مهابة البحار وسطوة غموضها وسحرها وأسرارها. ماذا  قالت فاتحة في قصيدة

” رجاء ” ؟؟

دعني

رجاءً سيدي دعني أكنْ بلسمَ جِراحٍ

تئنُّ بمقلتيك…َ

تُدميني.

دعني ولا تعتذرْ سيدي

إنْ شقّتْ قواربُكَ سكونَ مرافئي

فأسماكي الحمراءُ أرّقها السكونْ.

دعني واستبحْ سيدي

محْارةَ إنبهاري

ما زالَ بشواطئي مُتَسعٌ للجنونْ.

نكتشف في هذه القصيدة ملامح مشاعر وأفكار شديدة العمق، شديدة التنوّع. نكتشف أنَّ الشاعرة تستخدم  لفظة ” سيدي ” لأول مرة في أشعارها كافة. كررتها ثلاث مراتٍ. نكتشف أنَّ الشاعرة ذات الخلق السامي تسعى لمعالجة جروح من تخاطب بقسمتها بين الإثنين مناصفةً لا قسمةَ ضيزى. فجراح هذا [  السيد ]  تُدميها. تعرض عليه خدماتها  في أن تُشفيه من هذه الجراح. جراحه تدميها. فهل كانت هي نفسها سبب هذه الجراح ؟ هل كانت هي الجارحة والبلسم معاً ؟ الشيء وضدّه ؟ كلاّ ثم كلاّ. إنها تلعب معه دور المسيح المضحّي والمسامح { من لطمك على خدك الأيمن أدِرْ له خدّك الأيسر }. هذا ما نكتشفه في المقطعين الآخرين. لا تطلب منه أنْ يعتذر. إذن فالذنب ذنبه والخطأ خطأه والجريرة جريرته. بل وتقطع شوطاً آخر في مساحة التنازل والعفو عن الإساءة كما يفعل الأنبياء. تقول له (( إستبحْ سيدي محارة إنبهاري ما زال بشواطئي مُتَسعٌ للجنون )). لا تطلب إعتذاراً عن إساءة أو أيما فعل غير مرغوبٍ فيه. تقولُ له (( لا تعتذرْ سيدي )). تُعطيه فضل السيادة وهو المذنب. تنتصب وتنتصر فيها غريزة الأمومة حتى مع من يسيء إليها. تعامله كما تعامل كريمتها ( لمياء ).

حين وقعت صاحبة  نزار قباني في الغرام العاصف توسّلت به أن يساعدها على الشفاء من وباء الحب القاهر (( إنْ كنتَ صديقي ساعدني كي أرحلَ عنك. او كنتَ حبيبي ساعدني كي أشفى منك / قصيدة رسالة من تحت الماء )). على الضد من هذا، لا تتهرب فاتحة من ورطة الهوى ونتائجه التي قد تكون مدمرة. تتحمل التبعات المرّة من أجل ثبات العلاقات ودوامها. المجهول يؤرّقها. الفراغ يقتلها حيّةً. لذا لا مُناصَ من التشبث بالأمل حتى بتقديم التنازلات التي لم تعرفها الشاعرة في حياتها الخاصة خارج ملكوت الشعر. توازنها النفسي والإجتماعي هما الهدفان النهائيان وهما غاية الأرب. أقرأ كلماتها فأُحسُّ وطأة الجهد الثقيل الواعي الذي توظّفه لإقامة حالة التوازن الدقيق ما بين عالمها الداخلي النفسي وعالمها الخارجي الإجتماعي. الهلع من حالة الفراغ من جهة والخوف من تقوّلات الناس من الجهة الأخرى. النفس + المجتمع.

لقد طغى البحر ومتعلقاته على أجواء هذه القصيدة. ففي المقطعين الأخيرين نرى أنفسنا أمام القوارب والمرافيء والأسماك والمحار والشواطيء. جلبت الشاعرة لنا معظم عناصر البحر. شاطيء ومرفأ وقارب، ثم سمك ومحار. تُحب الشاعرة البحر ولكن، هل تُحب السمك والمحار طعاماً ؟ ذلك ما لا ندريه. هل تحب الشاعرة الأسفار البحرية ؟ أميل إلى الجواب ب ( نعم ). مَن يحب البحرَ يعشق السفر فيه. ومن يهوى البحر يتمنى أن يموت غرقاً في مياهه.

من روائع أشعار الرومانس الجليل قصائد مثل ” رحلة ” و ” سَمَر ” و

” عِتاب ” و ” غياب ” و ” لا تؤاخذني ” و ” ميلاد ” و ” نداء ” و

 ” لا ” و ” يوبيل فضي ” وهي من قصائد الديوان الطويلة، ثم قصيدة

” إرتباك ” و ” درب الحب “. تحتاج كل واحدةٍ من هذه القصائد إلى دراسة عميقة والكثير من الصبر، فعالم شاعرتنا شديد العمق، كلما قطعنا أعماقاً شدّتنا أعماقٌ أخرى، وكلما حلّقنا في سماء جذبتنا سماوات أعلى فأعلى، فمن ذا الذي يستطيع اللحاق بمليكة النحل وملائكة السماوات العُلى ؟

نقرأ قصيدة ” رحلة ” فنرى كيف جمعت الشاعرة ما بين الأمرين : الرومانس الشفّاف الرائع والخوف من الغد وما سيحمله أو ربما يحمله الزمن في حالة المستقبل. الهلع من صورة الفراغ .

سيلُ المقلتين يَجرِفني والقلبُ جفاف

ورذاذُ غيمتكَ الخجلى ليس يرويهِ

يقينٌ لديهِ وبعضُ اليقينِ لا يُحتملُ

هذي رحلتهُ فيكَ لن تُكتملُ…. لن تُكتَملْ.

لا تفوِّتُ الشاعرةُ فُرصَ إقتناص الدهشة في جمع المتناقضات التي إنْ إجتمعت تفجّرت وفجّرت ما حولها من أجواء وعلاقات رابط ومربوط. في هذا الفن أو الأسلوب تقنية رشيقة يجيدها كبار الشعراء وأسياد اللغة العربية والبلاغة  قبلَ وبعد الشاعر ( عبد الله بن المعتز ) صاحب البيان والبديع. ثم إنَّ هذه التقنية أو الآلية لا تستوي وتقوم إلاّ بحس شاعري وعمق دلالي وذوق في الإختيار…. إختيار التوقيت المناسب…. الزمن المناسب للتوفيق ما بين المتضادات. أين هي هذه المتضادات في هذه القصيدة المقتصدة في كلماتها والبليغة فى دلالاتها ؟ سأضعها متقابلة تقابل وئامٍ وإنسجام لا مواجهة أخصام وأعداء :

الدموع الجارفة كالسيول في المقلتين —– القلب جفاف { الماء ضد الجفاف }

رذاذ الغيمة —– لا رواء { ماء ضد العطش }

يقين —- لا إحتمال لهذا اليقين { الأكيد ضد غير الأكيد }

رحلة —- نقصان الرحلة { حركة مرتحلة ضد إستحالة بلوغ الهدف }.

هذا هو السراط الذي إختارت الشاعرة  أن تمشيه واعيةً كل الوعي في تحدٍ واضح للأقدار من جهة والإستعداد التام لقبول كل ما تصنعه بها هذه الأقدار بالرغم من وجلها من الغد، من الزمن، من فراغ المستقبل.

القصائد كقاعدة عامة معروفة تعكس الحالة النفسية الراهنة لقائلها. والحالات شتى في نفوس البشر. تعكس ضعفاً حيناً وتعكس قوة أحياناً أُخرَ وذلكم أمر طبيعي نعرفه جميعاً.

( القلب جفاف ) لا يروي ظمأه رذاذ غيمة عابرة خجولة متواضعة. القلب يشدُّ الرحال ليسيح في عالم ذاك الرجل. لكنَّ الرحلة ليست سوى مغامرة لا يقينَ فيها. وحتى لو صاحبها اليقين فإنها رحلة ناقصة. لا تبلغ كامل أهدافها. رحلة غير كاملة لا تخلِّف في نفوسنا إلاّ الحسرة والشجا والأسف.

ما هو الوجه الثاني لإنعدام أو نقصان الكمال ؟ الفراغ. الفراغ الذي نملأه بأجسادنا كما قال قبلنا بعض المتصوّفة.

سأراقب شاعرتنا الشجاعة  كيف ترسم بكلماتها هي  صورة الفراغ في شعرها وشعرها هو شعورها في لحظة الكتابة وقُبيل هذه اللحظة. كتبت في قصيدة ” لا تؤاخذني ” :

لا تؤاخذني

إنْ أنا رغمَ حبّكَ لي

ما إستطعتُ ترميمَ الشقوقَ بدواخلي

وهياكلي، عَبثاً، أرصّها ما استقمتُ

لا تؤاخذني إنْ أنا حبلتُ فراغاً

ورغمَ حُبّكَ لي ما وضعتُ.

لا تؤاخذني…

لا أُنكِرُ أني بأنفاسكَ إمتلأتُ

يومَ الرحيقُ منكَ أسكرني

فيا ليتَ هذا دامَ ويا ليتني ما أَفقتُ.

كيف تحبل الأنثى فراغاً ؟ الحمل حياة كاملة مركّزة ومختصرة في تسعة أشهر لا أكثر. حياتها فراغ في فراغ. فراغ تخشاه. فراغ لا يبرح مخيلتها أبداً ابداً. يلاحقها حتى وهي في ذروة الحديث عن الحب. صاحبها يحبها لكنَّ هذا الحب ما زال بعيداً وغير قادرٍ على (( ترميم الشقوق بدواخلي )).

تحبل بفراغ ولا تضع مولوداً. إنها لا تريد أصلاً هذا المولود. لأنها عارفة بأنها لم تحبل إبتداءً. حملت في رحمها فراغاً.

(( ليتَ هذا دام )) !! تتمنى دوامَ السكر برحيق أنفاس فارسها. رحيق القُبَل. لم يدمّ هذا الرومانس إذنْ. [[ هكذا أهل الغزلْ / كلّما خافوا المللْ / أنعشوهُ بالقُبَلْ // للأخطل الصغير، من أغنية  بصوت أسمهان ]].

سَمر

سأختار من الرومانس الراقي والشديد النُدرة قصيدةً أو إثنتين، وسأبدأ بقصيدة ” سمر / الديوان, الصفحة 30  “.

كتبت الشاعرة ( فاتحة ) هذه القصيدة وفقَ منهاج هندسي دقيق التخطيط. هندسي في البناء اللغوي التركيبي، وهندسي في بناء المنطق السردي الذي يبدأ بأول الأوليات لينتهي بنا إلى حيث القمة المنطقية التي تلبي أعلى حاجات الإنسان النفسية والجسدية. هندسة مركّبة متسلسلة فيها قوّة الإقناع والإستجابة لشروط الفضاء الذي خططتْ له وما وفّرت له  من عناصر الحركة والسكون. لم تترك فراغاً في هذا الفضاء دون أن تشغله بكتلة من مادة أو شعور أو صور متحركة تتناغم مع حركات كونية تجري في خارج هذا الفضاء المحدد ( حجرة في بيت ). يتفاعل الداخل والخارج  في هذه الحجرة بدينامية لا تتوقف، بل وتزداد حركةً ونمواً وحرارةً مع تدرّج الأسطر من أعلى الصفحة حتى آخرها، ومع حركة الزمان من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل.

قصيدة ” سمر ” عالم مكثف من لوحات تشع فيها الألوان من جميع جهاتها وزواياها تماماً كما هو الأمر مع قطع الماس الطبيعي. تتبدل ألوانُ إشعاعاتها كلّما بدّلتَ زاوية النظر إليها. أشعة الماس تخطف الأبصار.

في الحجرة ( الفضاء الداخلي ) رجلٌ وإمرأة. إجتمعا حول موقد نارٍ  في ليلة شتائية ماطرة. قيل قديماً (( ما إجتمعَ رجلٌ وإمرأةٌ إلاّ وكان الشيطانُ ثالثهما )). الشيطان هو الرغبة : رغبات البشر التي مارسها أبونا آدم مخالفاً آوامر ربه. وسوسَ له شيطانه فخالف التعليمات (( فوسوسَ إليهِ الشيطانُ قالَ يا آدمُ هل أدُلّكَ على شجرة الخُلْدِ ومُلكٍ لا يبلى / سورة طه ، الآية 120 )). المهم… حتى هذا الحد كل شيء طبيعي ولا إعتراضَ لأحدٍ من البشر عليه. فما الذي يُلفت النظر إذن في هذه القصيدة أو في هذه الحجرة ؟؟ ما يُلفت النظر هو قدرة الشاعرة على تحويل ما في داخل نفسها إلى معطياتٍ ملموسة شديدة التأثير في نفسية القاريء. تماماً كما تؤثِّر أشعّة الماس في عين الإنسان. ألوان وأشعة متحركة ولا يقف الرائي لها على المكان المحدد الذي تنطلق منه. يقول علمُ البللورات : تنبعثُ

هذه الألوان الطيفية المرئية من زوايا وأمكنة فيها خلل في هندسة البللورة الداخلية أو من وجود بعض الشوائب المعدنية في تركيب هذه البللورات. خلل أو شوائب تتسبب في خلق جمال لا نظير له ؟! هل في تألق البشر خلل أو إنه وليد خلل وشوائب ؟ كلاّ، ليس البشر بللورات. من أين جاءت إذن ألوان وإشعاعات لوحات المرأة الشاعرة ( فاتحة مرشيد ) ؟ هل أقول إنَّ الشاعرة  بللورة شذّت عن عالم البللورات ؟ هل أقول إنها بللورة خالصة النقاء لا خلل فيها ولا شوائب ؟ بللورة معدنها من البشر وفي الطبيعة الكثير من الشذوذ. أُقدِّم القصيدة للقرّاء الكرام ثم أُشير إلى مواضع الإبداع والفتنة فيها لاحقاً.

بالأمسِ جلسنا

رِعشةُ السَمَرِ تلبَسُنا ونارُ الركنِ مُتّقدةْ

الصمتُ بيننا صَخَبٌ

ليديك أحاديثٌ والأنفاسُ تغريدُ

كلّما نقرَ المطرُ مخبأنا سقى الوجنتينِ نبيذُ

أَقُلتَ أُحبّكِ أمْ   تُراكَ لم تَقلِ ؟

لستُ أذكرُ

أبحرتُ في موجةٍ من لُماكَ ولمْ أصلِ.

قلتُ في مبتدأ حديثي عن هذه القصيدة إنَّ سيدةً وسميرها يختليان في حجرة ذات يوم شتائيٍّ حول موقد نار. برد ومطر خارج الحجرة. نار ونبيذٌ في داخلها. حركة عنيفة في الخارج ( المطر ) . صمت في الداخل

…. كل العناصر الداخلية صامتة. الحديث بالأيدي والأنفاس فقط. يُضاف لذلك حركة خرساء أخرى لا صوتَ لها،  تلتقطها العين : إرتفاع  حرارة الخدود تحت تأثير خمرة النبيذ. [[  ولمّا شربناها ودبَّ دبيبها // إلى موطنِ الأسرارِ قلتُ لها قفي…. كما قال شاعر قديم ]]. ما علاقة النبيذ بضربات قطيرات المطر لجدران حجرة اللقاء الرومانسي المثالي الإعداد والتهيئة ؟ سؤال وجيه. جوابه في الأعماق السحقية لروح الشاعرة وفي عوالمها الخفية المتدثرة بسحر الغموض والمتسربلة بالألوان. ثم في كفاءتها في إخراج هذه العوالم وعرضها كلوحات بهيّة التنفيذ أمام قارئها. غوّاص بري بحري وجواهري يعرف مواطن وأنواع أصداف اللولؤ البحري، ويعرف فنون صقله وإبراز ما فيه من فتنة وجمال. نتتبع خط صعود الشاعرة في تراتب الأحداث وأنساق صعودها من الأسفل إلى الأعلى خلافاً لترتيبها وتنفيذها على الورقة.

1 ـ في الحجرة نار. في النار حرارة

2 ـ في الحجرة صمت. السيدة وسامرها في خشوع وأمام طقس يمارسان فيه شعائر عبادة من نوع ما.

3 ـ لا حركة داخل الحجرة ولكن حتى متى يدوم هذا الخشوع الصامت وهذا الطقس التعبدي ؟ وصل السامران حالة الضجر من حالة السكون. تأتي الحركة بعد السكون. لكنهما مخدّران… غائبان عن وعيهما. جامدان كالحجر. لا يتحرك الحجر من تلقاء نفسه. إنها الظاهرة الفيزيائية المسماة   عزم القصور الذاتي ) Inertia )

الحجر لا يتحرك من تلقاء نفسه، إنما تحركه قوة أو فعلٌ خارجي. فالمطر ـ العامل أو القوة الخارجية في هذه القصيدة ـ يقوم بهذا الفعل.

يحرك الغافيين. يهزهما برفق. يشعران ببرودة طقس الحجرة. يُهرعان إلى كأس النبيذ إبتغاء الدفء الذي إفتقداه. تأتي الحرارة إلى الجسد مع النبيذ. فتتورد الخدود وتأخذ لونه إنْ كان أحمرَ قرمزي اللون. يشتعل المكانُ بحركة تناول الكؤوس من المائدة إلى الشفاه، وحركة سريان الحرارة من الشفاه إلى الوجنات، وهي حركة لا تراها عين الإنسان. حركات في داخل فضاء الحجرة تسببها أصوات حركات تجري في الخارج. هنا يلتحم الداخل بالخارج ويكتملان. وذلكم أحد مظاهر وحدة الوجود بالمفهومين المادي والفلسفي الصوفي الروحي.

حين تنتبه السيدة وتعود إلى كامل وعيها أو بعضه ( شكراً لكأس النبيذ وللمطر ) تحاول اللحاق بما قد فاتها من عناصر هذه الحفلة الرومانسية التي لها وجود عياني محسوس محدود بجُدُر وسقف، ووجود آخر لا عَيانَ له مرسومٌ في عالم الغياب الصوفي حيث تلتحم الأرواحُ وتمتزج وينسخ بعضها بعضاً. عالم المادة وعالم الروح. يتطابقان حيناً ويفترقان أحيانا.

بعد كأس النبيذ تنتبه المرأة ـ الشاعرة فتسأل رفيقها المسامر (( أقُلتَ أُحبِّكِ أمْ تُراكَ لم تَقلِ ؟ )). هل سَكِرت بكأس النبيذ ففارقها اليقين حتى إنها لم تعدْ تتذكر ما قال لها سميرها. ولماذا السؤال عن الحب بعد الصحوة مباشرةً ؟ شجّعها كما إخالُ كأس النبيذ أن تتخلى عن حياء الأنثى الغريزي فتتوجه إليه بهذا السؤال المباشر الذي يفتقرُ ـ ربّما ـ  إلى شيء يسيرٍ من  دبلوماسية العشق وقدسية إندماج القطبين الصوفيين (( أَقُلتَ أُحبِّكِ )) ؟!. إنها لا تعرف الجواب، بالتأكيد لا تعرفه. إنها وبكل تأكيد تريد منه جواباً محدداً : نعم أو لا. نعم أموتُ فيكِ حباً. أو ” لا ” لا أحبكِ. أحب سواك. تلقيتُ دعوتك فلبيتها. أنت وحيدة في نهاية هذا الأسبوع وأنا كذلك. الوحدة جمعتنا والخوف من الفراغ. لا مكانَ للحب. ثم علام العجلة ؟ لا يأتي الحب سريعاً بعد لقاء واحد، ولا يأتي بعد كأس أو كؤوس من النبيذ الجيد. مطر الخارج ونيران الداخل ليست كافية. الحب ينمو في الزمن تماماً كالثمرة على الشجرة.

الشعر والشاعرة شيء ومنطق الثمرات ونموها وجبروت سلطان الزمن شيء آخر. تريد الشاعرة حباً وإنْ كان بزخّة مطر واحدة وكأس نبيذ واحد وفي أُمسية واحدة. لا صبر لديها.

كيف تنتهي هذه القصيدة الفائقة التفرد والجودة ؟

حين ذكرتْ كلمة ” الحب ” فقدتْ الذاكرة فغدت غير قادرة على إسترجاع ما حدث. لا أهمية للقول الآن. قطعت خطوة أخرى نحو الأمام. تركت الكلام والسؤال لتُغرِقَ نفسها في بحر من القُبل. إنتقلت من القول إلى الفعل. الفعل الذي لا يحتاج إلى ذاكرة. (( أبحرتُ في موجةٍ من لُماكَ ولم أصلْ )). أفلمْ يقل الأخطل الصغير [[ هكذا أهلُ الغَزَلْ / كلّما خافوا المللْ / أنعشوه بالقُبلْ /  يا حبيبي بأبي أنتَ وأمّي / لا لتجلو الهمَّ عني أنتَ همّي ]].

هنا تنتصب الروعة والكفاءة الشعرية الفذّة. نعم، ههنا. إبحار دونما وصول إلى الغاية. دون بلوغ الساحل أو المرفأ. إنتهت  الأمسية المسحورة والعابقة بأرواح بخور الطقوس الصوفية وتفاصيل تقاليد ( الأتيكيت ) المدني المعاصر. إنتهت دونما نهاية منطقية، إذْ لكل إبتداءٍ إنتهاء. ولوجودنا في الحياة  نهاية معروفة. (( أبحرتُ في موجةٍ من لُماكَ ولم أصلْ )). إنتهت الحفلة وإنتهت اللعبة ـ المسرحية. توقف سقوط المطر في الخارج.  نفذت النار…. إستهلكت نفسها فبرد الموقدُ. نفذ ما في الحجرة من نبيذ فتعطّلت الأكؤس. لم تعدْ تشع باللون القاني ولا تمدُّ أجسادَ العشاق بالحرارة.  إنتهت الحفلة لتتركَ القطب الأول فيه ومحرِّك الأحداث الجِسام يواجه فراغاً متصلاً إلى ما لا نهاية، والفراغ  هو ألدُّ أعداء الشاعرة ـ المرأة ـ الإنسانة. (( لم أصلْ )) !! إلى أين كانت تروم الوصول ؟ إلى أي هدف ؟ إلى أي مرفأ بحري أو مدينة في خيالها ؟ فضاء مفتوح وفراغ متصل لا حدود له. أُنزِلَ الستار وأُطفئت الأنوار وخمد الموقد مُخلِّفاً الرماد ولا شيءَ غير الرماد. تكسّرت الكؤوس على شفاه شاربيها [[ لم يكنْ لي غدٌ  فأفرغتُ كأسي ثم حطّمتها على شفتيا / الأخطل الصغير ]].

أختتم جولتي ( الفضائية الصوفية ) مع ديوان ” إيماءات ” بقصيدة تختلف عن باقي قصائد الديوان. قصيدة من نسج خاص وأجواء خاصة. لا هي حزينة ولا هي من شعر الرومانس. إنها قصيدة فلسفية بكل ما تحمل كلمة فلسفة من معانٍ. إنها قصيدة ” نفسي “.

نفسي

لا أعرفُ سببَ نشوتي

أهوَ إبتعادي أمْ وجودي مع نفسي ؟

وكأنَّ المسافةَ كانت تفصلني عنّي

وكأنَّ بعضيَ عن بعضي إغتربْ

وليس غيرُ الرحيلِ يُقرِّبني… منّي.

أرى الحُسين بن منصور الحلاّج الصوفي واقفاً أمامي يعطيني درساً في الفلسفة فيقول (( عليكَ بنفسكَ إنْ لم تشغلها شغلتك )). الفصل بين ” أنا ” و ” نفسي “. من أنا ومن هي نفسي إذا لم يكونا شيئاً واحداً ؟ هذا هو السؤال. يقول علم النفس  هناك نفس عليا وأخرى دنيا وهناك ” أنا ” الآخر و…و… إلخ. أفلمْ  يسبق الحلاجُ إذن علمَ وعلماء النفس بعشرات القرون ؟ ( قُتل الحلاّج أوائل  القرن الثالث الهجري، في اليوم الرابع والعشرين من ذي القِعدة سنة 309 هجرية، المصادف 26 من شهر آذار

ـ مارس ـ سنة 922 ميلادية )  في زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله !! أُحرِقَ جسده ونُثِرَ رماده في نهر دجلة في بغداد ).

ثم هو القائل :

يا ويحَ روحيَ من روحي فوآسفي

عليَّ  منّي  فإنّي  أصلُ   بلوائي

 ثمَّ، ألم تقلْ الشاعرة الأندلسية  ولاّدة بنت المستكفي

أغارُ عليكَ من نفسي ومنّي

ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ ؟

( من نفسي ومنّي )…. تماماً مثل ما قد قال الحلاج قبلها ببضعة قرون. إنقسام المرء إلى أنا مضروبة بالعدد 2 . أو إنشطار النفس إلى نفسين متضادتين حيناً ملتحمتين أحياناً أخرى. متى تلتحمان ومتى تنشطران وتنفصلان فتغدوان خصوماً أو كالخصوم ؟؟ (( أغارُ عليكَ من نفسي ومنّي )). تعبير عجيب وبليغ، إنه الشعر وليس علم النفس. إنها صوفية الشعراء المتألقين بأرواحهم ثم  بأشعارهم. فهذه من تلك.

أعود لشاعرتنا وقصيدتها الصوفية المتألقة،  فلقد أفادت من تراث المتصوفة وغيرالمتصوِّفة فلاسفةً وشعراءً وشواعرَ لكنها تفوّقت على الجميع. أجلْ، تفوّقت على الجميع بما كشفت وما أضافت من مفردات لم نألفها قبلها فيما قرأنا من هذا الصنف من أشعار. إني لا أسوق هذا الكلام جِزافاً لكني أعتمد على ما أمامي من شعر ينبض بحرارة الجدّة وحيوية الإبتكار. لقد وسّعت الشاعرة الطبيبة فاتحة مرشيد من رقعة الإنشطارات والشطحات الصوفية المعروفة فأضافت إنشطاراتٍ أُخرَ جديدة غاية في الطرافة. نماذج من هذه الإنشطارات الصوفية ـ النفسية الجديدة :

لا أعرفُ سببَ نشوتي

أهوَ إبتعادي أمْ وجودي مع نفسي ؟

ما سبب النشوة، الإبتعاد عن النفس أو الوجود فيها والتعايش  معها ؟ ما معنى أن يبتعدَ الإنسانُ عن نفسه ؟ وكيف يبتعد عن نفسه وهو فيها وإنها مركّبةُ فيه ؟ من ذا الذي يتكّلمُ إذن إنْ إبتعد الإنسانُ عن نفسه ؟ الجسد ؟ الأجساد لا تتكلم. جاء الشاعر أبو الطيّب المتنبي إلى الوجود قبل مقتل الحسين بن منصور الحلاّج بحوالي خمسة أعوام  ليفصلَ النفس عن الجسد فصلاً محيّراً بليغاً فيه الكثير من بذور علم النفس الحديث. قال :

وإذا  كانت النفوسُ   كِباراً

تَعِبتْ في مُرادِها الأجسامُ

ليس في هذا البيت صوفية أو تصوّف، ولكن فيه فلسفة وعلم نفس معاصر. فصل الجسد عن النفس ولم يشقّ هذه إلى نصفين أو فِلقتين متعارضتين تختصمان حيناً وتأتلفان أحيانا.

الإبتعاد عن النفس أكبر بما لا يُقاس من الإبتعاد عن هموم هذه النفس التي تأمر أحياناً أو غالباً بالسوء. الإبتعاد عن النفس في فلسفة الشاعرة  هو إنسلاخ عنها إنسلاخاً  كاملاً. تنخلعُ منها كأنها تخلع عن جسدها عباءة سوداء قاتمة السواد لا تطيق حتى تحمّل مرآى سواد لونها. وإلاّ فأمام المرء أساليب شتى للهروب من الهموم ونسيان المتاعب وأيسرها الإخلاد للنوم العميق.

فلسفة الشاعرة في هذه القصيدة كما يلي.  للراحة والسعادة ( النشوة ) طريقان أو أسلوبان : إما الإبتعاد عن النفس أو الإلتحام بها. الإنفصال أو الإتصال. كلاهما يصلحان كآليتين لبلوغ الشعور بالنشوة وسعادة الروح وراحتها. من الذي يحسُّ بالنشوة، الروح أم الجسد أو كلاهما معاً وفي زمن واحد ؟ غير واردٍ هذا الإحتمال، فلقد سبقتنا الشاعرة وأغلقت هذا الطريق. وضعتنا ونفسّها أمام واحد من خيارين لا أكثر : إمّا الإنفصال الكامل أو الإتصال الإلتحامي المطلق.

أواصل سياحتي المغامِرة مع ( فاتحة ) الشاعرة الفيلسوف وقد غلّقت الأبواب أمامي علماً أنها [ فاتحة ].

وكأنَّ المسافةَ كانتْ تفصلني عنّي.

عن أية مسافة تكلّمت الشاعرة ؟ وكأنَّ المسافة كانت تفصلني عنّي. إنها بدون ريب مسافة إبتعادها عن نفسها التي قرأنا قبل قليل. ” أهو إبتعادي أم وجودي مع نفسي ” ؟ بأية وحدة للأبعاد والمسافات يمكننا  قياس هذا الإبتعاد ؟  لا الكيلو متر ينفع ولا الميل. كلاهما لا يصلح. وحدة أخرى زمنية ربما تصلح…. أقولُ ربما !! إنها السنة الضوئية. بهذه الوحدة يمكن قياس المسافة الكونية التي تفصل الإنسان عن نفسه. الإنسان محدود بمادة جسده وبالعمر، الزمن. أما النفس فظاهرةٌ كونية لا حدودَ لها البتّة. زمن وجود الجسد على سطح الأرض محدود مهما طال. أما النفس فإنها الأزل، الزمن الذي لا بداية له ولا إنتهاء. هذه هي المحنة الوجودية الحقيقية التي عانى المتصوفة منها دون أن يدركوا علّتها. عايشوها ولم يضعوا أساساً فكرياً نظرياً لتفسيرها. الجسد والنفس معاً يتعايشان في حياة الإنسان لكنَّ الفارق بينهما هو كالفرق بين المائة عام والألف ألف ألف مليارد عام. الفرق بين المحدود والمطلق. هنا محنة وعذاب الإنسان في الوجود. فيه عاملان أو عنصران مجتمعان لكنهما متناقضين. سجن الجسد وحرية الروح المطلقة. المحدود وغير المحدود. التراب والضوء.

ما قالت شاعرتنا المفكِّرة بعمق في نهاية هذه القصيدة ؟ زادت على فلسفتها الجديدة عمقاً وبعداً آخرين مدهشين. قالت :

وكأنَّ بعضيَ عن بعضيَ إغترابْ

فليس غيرُ الرحيلِ يُقرِّبني…. منّي.

 عن أي رحيل تتكلّم ( فاتحة ) الخير والشعر والنُعمى ؟ هل هو رحيل سفرة سياحية أمَدها أسبوعان  إلى جزر الكناري مثلاً ؟ أم إنه رحيل الأبد… رحيل مغادرة الحياة ولها العمر الطويل ؟ هل في الموت إلتقاء النفس بالجسد أو إقتراب الواحد  من الآخر ؟ إقتراب البعض من البعض إغتراب. جمعت فاتحة أمرين متناقضين معاً :

          1 ـ إغتراب البعض عن البعض.  بعضها ينفصل عن بعضها. كلاهما غريب على الآخر…. ولكن…

          2 ـ الرحيل يُقرِِبها منها

كيف نفهم هذه الإزدواجية الفلسفية المعقّدة وبأي منطق نحاول فهمها وفك أسرارها ؟ نفسِّر القول الأول بحقيقة التناقض ما بين محدودية عمر الجسد من جهة ولانهائية الروح من الجهة الأخرى. إنها محنة ومعضلة المتصوفة الكبرى كما أَشرتُ قبل قليل. يمثّل الجسد بعض الشاعرة وتمثِّلُ روحها البعض الآخر. إنهما غريبان على  بعضهما فيها  وليسا متوائمين. من هنا يأتي القلق الوجودي والحزن والألم النفسي يعانيها الإنسان دون أن يعرف مسبباتها.

أرجع للقول الثاني فلا أراهُ صواباً حتّى لو سلّمنا أنَّ الموت هو الرحيل في هذا القول وليس رحلة قضاء عطلة صيفية أو شتائية في هذا المصيف أو ذاك المشتى. في هذا المقام لم تبلغ الشاعرة الصواب. فهي مخطئة إنْ إعتقدتْ  أنَّ الموت يجمع الروحَ والجسد (( وليس غير الرحيل يُقربني منّي )). الجسد فانٍ ويتآكل تحت أديم الأرض. أما الروح فإنه خالد خلود الأبد والأزل. أثار الشاعر أبو الطيّب المتنبي هذه المسألة في أحد أبياته الشعرية إذْ قال :

فقيلَ  تخلُصُ   نفسُ  المرءِ   سالمةً

وقيلَ تَشرَكُ جسمَ المرءِ في العَطَبِ

وقع المتصوّفة في الخطأ العظيم حين حسبوا أنَّ في إمكان المُريد والقطب والواصل منهم أن يجمع الروح والجسد معاً في وحدة إلتحام يذوب فيها الجسد وتسمو النفس حتى تتصل بخالقها على أنقى ما تكون. في

محاولاتهم الفاشلة تلك عذبوا أجسادهم وأجاعوها وأساءوا إليها ولم يصلْ منهم أحد. فاتهم أنَّ الجسدَ يبقى جسداً من  لحمٍ وعظمٍ ودم ، وإنه عنصر فانٍ عاجلاً أم آجلاً.  وأنَّ النفس أو الروح تبقى إلى أبد الآبدين لأنها ليست من مادة فانية. كانوا يبغون الخلود كما فعل قبلهم جلجامش السومري مع فارق جوهري كبير : حاول جلجامش الخلود عن طريق تناول عُشبة تضمن له هذه الغاية. أي أن يُطيلَ عمره بطب الأعشاب وهو طب يتسع الإعتماد عليه يوماً بعد يوم في أيامنا هذه. محاولته معقولة وتحمل بذور العلم والعلمانية. حاول تخليد جسده فقط ،  فما كان الرجل يعرف معنى أو مغزى أو مكان الروح. ما كان منشقّاً بين روح وجسد. ما كان مزدَوج الوجود. كان واحداً أوحداً فقط ، كان جلجامش السومري وكفى. لقد أفزعه منظر صديقه أنكيدو ميّتاً تفترس الديدانُ جسده.  أما دراويش وأئمة الصوفية فإنهم حاولوا بلوغ الخلود بالإلتحام والحلول في الذات العليا السرمدية فخابوا ولم يحققوا شيئاً لأنه مسعىً غير واقعي وغير ممكن أي مستحيل. من هنا أتت وتأتي خيبتهم وعذاباتهم وشطحاتهم  والسريالية في أشعارهم.

حاشا لشاعرتنا الطبيبة والعالمة أن تنحو هذا المنحى. لا تبغي الخلود لا بطبّها ولا بالحلول والذوبان في السرمد الأبدي. الفضاء والزمان هما السرمدان الوحيدان وهما الأبد والأزل. الإنسانُ لا هذا ولا ذاك. إنها شاعرة {{ والشعراءُ يَتَّبعُهُم الغاوون. ألمْ ترَ أَنهمْ في كل وادٍ يهيمونْ. وأَنهمْ يقولون ما لا يفعلون / سورة الشعراء / الآيات 224 و 225 و 226 }}.  

دومي يا فاتحة لقرّائك شاعرة متميزةً وإنسانة راقية مفكِّرة وظاهرة فريدة في بابها. دومي وواصلي العطاء الباذخ من فيض روحكِ وبهائها وجمالهاالمثير للدهشة. فذكراك الباقية شعراً وطبّاً وسمعةً هي الروح الخالد والسرمد الذي تمنّاه كبار المتصوفة فأخطأوا طريقهم ولم يحالفهم الحظ لأنهم كانوا جدَّ بعيدين عن العلم. ذكرى الإنسان التي تبقى بعد رحيله هي الخلود. ذكراه بين أفراد أسرته وباقي الناس وما أنتج وما أبدع وما ترك وراءه من آثار علمية أو أدبية أو فنية أو مآثر سياسية وغيرها الكثير.

“شاعرة الحب الحزين”، عدنان الظاهر، صحيفة “المثقف”، العدد 1626، الاثنين 1 مارس 2011.

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=42148&catid=213&Itemid=53

Leave A Comment

Recommended Posts