لم يدر بخلد رجل الاقتصاد الذي ارتبط بالشابة التي كان أقصى حلمها أن تنال لقب دكتورة، أن روح الكتابة ستتلبس بها بعد أن هدهدتها طويلا منذ الصبا الأول وطيلة فترة الدراسة الجامعية كي تنام.
فبعد صدور ديوانها الأول” إيماءات” والذي كانت 90 بالمائة من قصائده قد كتبت قبل الزواج بكثير، اعتبر جمال أن الأمر لايعدو كونه تنفيسا عن عواطف ظلت مخزنة فجّرها رحيل الأم المفاجئ ورغبة فاتحة في الاعتذار لها. إلا أن جنون الشعر كان قد استبد بالزوجة الطبيبة أكثر فكانت الخطوة الثانية عبر ديوان “ورق عاشق” .هنا بدا للزوج أن الأمور بدأت تأخذ منحى جديا هو الذي كان يتخوف من الوسط الأدبي بل كانت لديه فكرة مسبقة عنه.
توالت الدواوين الشعرية، فيما الزوج لا ينظر بعين الرضا للسفريات التي بدت تستنفد وقت الطبيبة على حساب الكتابة التي كان يرى فيها قتلا لمسار الطبيبة الناجحة، التي ترك لها الدكتور السجلماسي عيادة ضخمة واسما صنع تاريخا في طب الأطفال. ولكونه رجل اقتصاد فقد كانت له نظرة خاصة لأولويات الحياة رغم أنه لم يتدخل يوما في طبيعة كتاباتها، بحكم انفتاحه الفكري واحترامه لاختيارات الآخرين، لكنه كان يحس بالحرج والخوف على مستقبلها المهني.
تشبُّث فاتحة بالكتابة وإنتاجاتها المتلاحقة جعل الزوج يقتنع بأن هذه الأخيرة ليست اختيارا، بقدر ما هي احتياج ذاتي لا يمكن أن تتنازل عنه الطبيبة التي بدأت تتلمس طريق النجاح، وتقطف ثمار الاعتراف بقيمة ما تكتبه، خاصة بعد فوز ديوانها ” مالم يقل بيننا” بجائزة المغرب للكتاب 2010، فتحول خوفه تدريجيا إلى فخر بزوجته المبدعة.
بعد أن طفقا وحيدين من جديد، بسفر الأبناء للدراسة بالخارج، أصبح الزوجان يتحدثان عن الكتابة شيئا فشيئا، دون تدخل مباشر في حيثياتها.
تقول فاتحة : “أحيانا أستشيره في عناوين أعمالي لخبرته في الماركوتينغ.. هولا يحضر قراءاتي الشعرية، لكنه يحضر حفل توقيعاتي ويصر على اقتناء كتبي ودفع ثمنها للناشر الذي يتحرج من الأمر، وينسحب دون أن يلحظ أحد ذلك احتراما لفضائي الخاص”.
تعترف فاتحة بتفهم زوجها ودعمه. فبفضل هذا الدعم استطاعت منح وقت أكثر للكتابة على حساب العيادة، هي التي لم تعد لها احتياجات مكلفة، وكل مطلبها لا يتعدى وقتا أطول لتأمل أشياء الحياة .
” أبنائي لديهم دائما إحساس بأنني قلب الأسرة النابض حياة، فيما والدهما هو عقلها الحكيم.. وهذا توازن إيجابي بالنسبة لهما.. فحكمة زوجي وثبوت قدميه على الأرض يمنح للمبدعة بداخلي ترف أن تكون ذاك الطائر المهاجر الذي يحلق طويلا وهو يعلم أن له وكنة دافئة يعود إليها.”
تقول فاتحة عن تجربة الزواج : “الزواج علاقة غير قارة، هي مثلنا في تطور مستمر، وقد توصّلنا مع النضج إلى أنه في اختلاف طباعنا واهتماماتنا ثراء يغنينا ويغتني به أبناؤنا، وأن سر نجاح كل علاقة إنسانية هو احترام الفضاء الخاص بالآخر مع احترام الفضاء الموحد للأسرة الصغيرة حتى لا يبتلع العام الخاص أو العكس.”
الحلقة 10: “زوجتي: كاتبة أم طبيبة؟”، الاتحاد الاشتراكي، الخميس 11 يوليوز 2019، العدد 84122