0%
Still working...

حوار مع المبدعة فاتحة مرشيد حول رواية الحق في الرحيل

حوار مع المبدعة فاتحة مرشيد حول رواية الحق في الرحيل

حاورها: عبد اللطيف البازي

لا أحد يمكنه أن يجادل الآن في كون المبدعة فاتحة مرشيد قد أصبحت روائية كاملة الأهلية. وبروايتها الرابعة والعميقة “الحق في الرحيل” أثبتت أن رحيلها من قارة الشعر إلى عوالم الرواية لم يكن نزوة بل إنها مبدعة “ذات لسانين”. لننصت إليها وهي تحدثنا عن “الحق في الرحيل”.

س: عملك الروائي الصادر مؤخرا يحمل عنوان”الحق في الرحيل” عن أي رحيل تتحدث الرواية؟

ج: للرحيل وجوه متعددة حاولت الرواية أن تحيط ببعض منها: الرحيل الجغرافي الذي يتمثل في الهجرة، رحيل الأفكار إلى آفاق أخرى، رحيل العواطف والأحلام.. رحيل الإنسان عن نفسه في حالة الجنون والرحيل الأبدي بمعنى الموت، وهنا تطرح الرواية إشكالية الموت الرحيم أو اليوثانازي. ما همني في موضوع الموت الرحيم بالأساس، هو الجانب الإنساني وكذا الفلسفي لمعنى الموت والحياة.. ما معنى أن يكون الإنسان حيا؟ ومتى يمكن اعتباره ميتا؟

الرواية تطرح في عمقها سؤال ماهية الحياة نفسها.. وإن كان العنوان هو “الحق في الرحيل” فهي مع الحق في الحياة.. حياة كريمة يكون فيها الإنسان سيد اختياراته.

س: في رواية “الحق في الرحيل” نجد من يعارض فكرة أن يختار المرء الرحيل عن هذه الحياة حينما تصبح كرامته وإنسانيته معرضتين للاختبار وللإهانة المتواصلين. هل تعتبرين أن توسيع مجال الجرأة و خرق المسكوت عنه والتشبث بحق الأفراد في الاختيار من ضمن الوظائف المفترضة للأدب والفنون عموما؟ وهل هنالك جدل قائم بالمغرب بخصوص الموت الرحيم؟

ج: الجدل فرض نفسه لأن الموت الرحيم يمارس بشكل خفي في كثير من المجتمعات بالرغم من حظره دينيا وقانونيا. هناك دول قننته (مثل هولاندا في 2001 وبلجيكا في 2002  مثلا) بينما لا يزال النقاش قائما في أخرى كفرنسا مثلا.

أما في المغرب، كما في العديد من الدول الأخرى، فهو يعتبر جريمة قتل العمد يعاقب عليها القانون وهذا لا يعني بأنه لا يمارس بطرق غير معلنة.

 تجربتي المهنية كطبيبة وضعتني في مواجهة الموت والألم لأدرك بأن الإنسان لا يهاب الموت في حد ذاته بقدر ما يهاب الطريقة التي سيموت بها. ما يهابه هو التدهور الإنساني هو الألم الذي لا يطاق هو اعتماده على الآخرين هو فقدانه لكرامته ولإنسانيته.. وأعتقد أن هذا دأب الإنسانية جمعاء.. كل منا يتمنى موتا مفاجئا بدون عذاب وبدون آلام مبرحة.. موت رحيم بالمعنى اللغوي للكلمة.

أما عن وظيفة الأدب، فأنا مع الأدب الذي يسعى إلى  زعزعة الثوابت وطرح الأسئلة الشائكة واحترام ذكاء القارئ الذي ينتظر منا أن نعبر بلسانه عن معاناته الحقيقية وعما يشغله. المفترض في الأدب، والفن عموما، أن يخاطب قلب المتلقي وعقله ويسهم في السمو بحسه الفني ووعيه وكل هذا دون إغفال عنصر المتعة.

س: الرواية تحكي قصة حب قبل كل شيء لتضع السارد أمام قرار صعب هو مساعدة زوجته التي تعاني من مرض عضال على الموت؟

ج: أجل، السارد وهو كاتب شبح من الذين يكتبون في الظل سير الآخرين، يوقع من خلف قضبان السجن أول عمل روائي يحكي قصته مع حبيبته. يستعيد حياته معها وحياته قبلها وتاريخها الخاص عبر أماكن متباعدة، مستحضرا ثقافات مختلفة تراوح بين العربية والأمازيغية، الأوروبية والآسيوية، من خلال حاسة الذوق لدى حبيبته التي كانت طباخا عالميا من ثلاث نجوم قبل أن تصاب بسرطان اللسان. بعد معاناة مريرة مع المرض تطلب منه مساعدتها على الرحيل بكرامة. يرفض الفكرة في البداية لكن سرعان ما يبدأ في الاستئناس بها وهو يعايش انحدارها التدريجي نحو الجحيم.. لينتهي إلى تنفيذها كعربون حب إضافي.

س: تطرقت الرواية إلى مواضيع أخرى من بينها مفهوم الأبوة من خلال علاقة معقدة بين ابن ووالده تجبر القارئ على التفكير في قدسية علاقات الدم؟

ج: السارد كان أبا لابن ليس من صلبه، ابن كان ثمرة علاقة مصنفة ضمن زنى المحارم فاختار أن يمنحه اسمه لإنقاذه من ظلم المجتمع. وصديقه الدكتور رشيد عانى من غياب والده الذي اختزل واجب الأبوة في النفقة.. كل هذا دفعه للتساؤل حول علاقات الدم وإلى أي حد يمكن اعتبارها مقدسة: فمن هو الأب الحقيقي؟ أ هو الأب البيولوجي الذي يختصر في نطفة؟ أو الأب المربي الذي يتحمل مسؤولية هذا الطفل ويمنحه الحب والعناية؟

وما هو تعريف الأبوة في زمن بنوك الحيوانات المنوية؟ وتعريف الأمومة في زمن اكتراء الأرحام؟

ثم الآن مع تطبيق حق الزواج للجميع في أوروبا مثلا، أطفال الأسر التي فيها الأزواج مثليين، أين هي الأبوة وأين هي الأمومة؟

السرعة المفرطة التي يتغير بها العالم من حولنا تفرض علينا التساؤل وإعادة النظر في بعض المفاهيم.

س: لغتك أنيقة، أجواء روايتك تدعو إلى الحلم والتأمل والشجن، للحب كما للموت حضور أساس في تطور الوقائع، الطبيعة هي إطار وفاعل في الآن نفسه. صديقتي فاتحة، هل أنت كاتبة رومانسية؟ 

ج: صديقي، لست مع أي تصنيف قد يربطني بمدرسة أدبية معينة وأرفض كل  انتماء يحد من حريتي في أن أكون الشيء وضده.

يمكن القول بأن كل ما يتعلق بالإنسان: معاناته، أحلامه، أزماته الوجودية، نفسيته، وتفاعله مع محيطه يهمني ويغذي كتاباتي. الحب والموت حاضران لأنهما المحركان الأساسيان لكل إبداع، لكن مواضيع رواياتي لا تقتصر عليهما. أعتقد أنني أكون رومانسية عندما أتطرق لمواضيع تخاطب القلب وعقلانية عندما يتعلق الأمر بأطروحات تستوجب معالجتها استعمال العقل.. المواضيع هي التي تفرض علينا طريقة صياغتها.

س: رواية “الحق في الرحيل” هي روايتك الرابعة بعد “لحظات لا غير”، “مخالب المتعة” و”الملهمات” وبعد ستة دواوين شعرية آخرها “ما لم يقل بيننا” الحائز على جائزة المغرب للشعر سنة 2010.. رحلت من الشعر إلى الرواية.. أيمكن اعتبار هذا حقا آخر في الرحيل؟

ج: الإبداع عبارة عن طاقة يفجرها المبدع شعرا أو نثرا أو صورا أو ألوانا.. وعلى المبدع أن يسمح لنفسه بحرية التنقل بين مختلف أنواع الإبداع وأشكالها ما إن أحس الرغبة أو الحاجة في ذلك.. أجل، أنا مع حرية الإبداع ومع أن يمارس المبدع حقه في الترحال والتنقل بين أنواعه وأشكاله وأن لا يحبس نفسه في خانة معينة قد تخدم النقاد لكنها لن تخدمه كمبدع.

س: هل هذا يعني أنك قد تمرين إلى شكل آخر من أشكال الكتابة؟ كتابة القصة مثلا؟

ج: ما دمت على قيد الكتابة أنا لا أستبعد شيئا.

مجلة “عن الكتب” العدد المزدوج 8-9

نوفمبر 2013/ فبراير 2014