في حوار مع الشاعرة والروائية فاتحة مرشيد
كل الواحات تبلل ريقنا وتدفع عنا خطر الموت إلى حين
أنجز الحوار: حفيظة الفارسي
في رحلة التيه، قادمة من برودة المجس وأعطاب الجسد، كانت فاتحة مرشيد تتلمس خطاها إلى تخوم الشعر كمن يبحث عن براءة اختراع. ولما بادلها القصيد الحبَّ عشقا، أغواها الراوي بصحاريه الممتدة المسافات، لكنها بين الفينة والأخرى، لا تلبث تتحين الفرص للقاء حبيبها الأول: الشعر.
لا تضع للإبداع أقفالا أو حدودا، الغموض وحده من يمسك بيدها نحو غياهب البوح المكتوب، دون حظر للتجوال يقيد حرية الكلام.
من الشعر الى الرواية، ترفرف بخفة فراشة
تستبيح رحيق الإبداع، لأن كل وروده بالنسبة لها بنفس الأريج.
* الإبداع بقبعات مختلفة، خطوة مؤجلة أم انتقال سلس تقتضيه ممكنات التعبير؟
– الإبداع طاقة قد نفجرها في شكل معين أو أشكال متعددة من أشكال الإبداع.. طاقة تتجدد كلما تحاشينا التكرار والروتين.
العمل الأدبي عمل متكامل ليس علينا بالضرورة تجزئته أو تصنيفه وأنا أعتبر الانتقال ظاهرة صحية وعلى المبدع أن يمنح نفسه الحق في التنقل والتجوال وفي خوض تجارب جديدة متى أحس الحاجة إلى ذلك.
المهم أن لا تضيع هذه الطاقة الإبداعية هباء بل أن تستفيد منها الإنسانية لأنها ملك للإنسانية جمعاء.
* الانتقال عند فاتحة مرشيد من الشعر إلى الرواية ماذا أضاف إليك عدا إغناء الريبرتوار الأدبي؟
– هل أضافت لي كتابة الرواية شيئا؟ بكل تأكيد كل تجربة إبداعية جديدة تضيف لنا أشياء.. إبداعيا وإنسانيا. تفتح لنا نوافذ أخرى للاكتشاف والتيه المؤدي إلى المعرفة. تصقل موهبتنا وتوسع زوايا النظر لدينا.
أما عن إغناء الريبرتوار الأدبي فأنا أتساءل: هل يكفي أن نقرر كتابة الرواية لتستقيم لنا؟
أعتقد أن الأمر أعقد من هذا لأن لا أحد يسبر غموض الإبداع.
لم تكن كتابة الرواية ضمن مشاريعي وإن حلمت بها ككل الكتاب. لماذا فرضت نفسها في وقت معين؟ ولماذا بعد أربعة روايات أكتب القصة؟ ولماذا الشعر ظل حاضرا؟ حقيقة لا أعلم. ولا أسعى إلى ذلك حتى، لأن للإبداع أسراره وغموضه وأنا أحب هذا الغموض ويحفزني.
* الإبداع لا وطن يأويه، هل من العدل سجن المبدع في مربع البداية؟
– بالطبع لا. الإبداع لا يعترف بالحدود والمبدع الحقيقي هو من يتخطى الحدود.. من يسعى لاكتشاف عوالم جديدة ومغامرات جديدة. والجدل القائم حول ظاهرة الشعراء الذين هاجروا إلى قارة الرواية يسعى بالفعل إلى سجن المبدع في مربع البداية على حد قولك. بحيث يُشعر الشعراء بالذنب إن هم كتبوا الرواية وكأنها خيانة عظمى.
أفهم جليا أن جدلا من هذا النوع يعني النقاد والباحثين لكنه لا يعنيني كمبدعة ولو كان يعنيني لما جئت الأدب أصلا من الطب. لقد ألغيت حدود وهمية أولى ولن أكبل نفسي داخل أخرى.
أعتقد أنه لا مجال للمقارنة ولا للمفاضلة بين أشكال الإبداع عموما و أنواع الكتابة الأدبية على وجه الخصوص، فكلها تتغذى من بعضها البعض ويجدر بنا النهوض بها جميعا وتطويرها ولم لا ابتكار أشكال أخرى.
* في أي واحة تستظل فاتحة مرشيد أكثر بعد هذه التجارب؟
– خلال سفري في هذه الصحراء الفسيحة التي تدعى الحياة، كل واحة أصادفها في طريقي أستظل بها وأنا كلي امتنان لهبة الإبداع. كل الواحات تبلل ريقنا وتدفع عنا خطر الموت إلى حين.
الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي
الجمعة 2 أكتوبر 2015
http://www.alittihad.press.ma/ail.asp?codelangue=29&id_info=223252