0%
Still working...

حوار حول روايتها الجديدة مخالب المتعة

الشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد في حوار حول روايتها الجديدة “مخالب المتعة”

حاورتها: نوارة لحرش

(الروائي ليس قاضيا ولا واعظا ولا منظرا.هو يحكي حكاية المطلوب أن تكون ممتعة وفقط)

(كل حالة أعيشها هي ذريعة للكتابة)

(ما ننتظره من الأدب ليس كتابة المثالي)

(الخداع الجميل في العمل الروائي يكمن في تقليص المسافة بين التخييل والواقع)

(الروائي هو قدر شخصياته)

(المضمون هو الذي يفرض الشكل الفني الذي تكتب به الرواية)

(لا أكتب ما ينتظره القارئ بقدر ما أتوق إلى كتابة تباغت)

فاتحة مرشيد شاعرة وروائية مغربية، وطبيبة أطفال تمارس طقوس الطب وتمارس طقوس الأدب أيضا بجمالية وإبداعية ملفتة وجرأة أكيدة وهذا ما جعل حضورها في المشهد الأدبي العربي كبيرا وكثيفا، وهي أيضا سجلت حضورها في عدة مهرجانات شعرية عالمية، صدرت لها العديد من الأعمال الشعرية مثل:“إيماءات” العام2002، “ورق عاشق”العام 2003، و”تعال نُمطر” العام2006 عن دار شرقيات بالقاهرة، وديوان “أي سواد تخفي يا قوس قزح” في العام نفسه، أما ديوانها الأخير “آخر الطريق أوله” في العام الحالي عن المركز الثقافي العربي. إلى جانب الشعر فهي تشتغل على السرد بالكثير من الشغف ولها في هذا الفن رواية جميلة لاقت نجاحا واهتماما في الأوساط الأدبية العربية بعنوان “لحظات لا غير” صدرت عام 2007 عن المركز الثقافي العربي، و”مخالب المتعة” روايتها الثانية التي صدرت أوائل هذا العام 2009 أيضا ضمن منشورات المركز الثقافي العربي ببيروت والدار البيضاء. عن هذه الرواية الجريئة وبعض أجواءها ونفسانيات وحالات شخوصها وأبطالها وعن الجسد وكتابة الجسد والجنس ودعارة الرجال كان هذا الحوار مع الشاعرة والروائية فاتحة مرشيد التي ترى أنه لا فواصل كبيرة بين الشعر والسرد وأن الأدب يستبق الزمن، ويحمل رؤية مستقبلية،  وإن هو لم يحدث تغييرا جذريا فهو على الأقل يزعزع الثوابت، يجبرنا على طرح الأسئلة الحقيقية.

حاورتها / نـوّارة لـحـرش

لنبدأ من روايتك الأخيرة “مخالب المتعة”، العنوان مثير وجريء وملتبس أيضا برأيك هل للمتعة مخالب، ومتى تكون لها مخالب بحجم الألم لا بحجم اللذة؟

فاتحة مرشيد : أجل، للمتعة مخالب كما للحب مخالب، “قد تخدشنا.. قد توجعنا.. قد تدمينا.. وقد تفتك بنا ذات جرعة زائدة”. كما جاء في الرواية. السر يكمن في مقدار الجرعة، تماما كما هو الشأن بالنسبة للدواء: جرعة تشفي وجرعة إضافية تحدث تسمما وجرعة زائدة تسلبنا الحياة.

لا يوجد ما هو إيجابي مائة في المائة ولا ما هو سلبي مائة في المائة،  كل شيء يحمل ضده بداخله. قال سقراط “السعادة هي المتعة من غير ندم” يعني من غير مخالب. ثم يمكن قراءة العنوان قراءة مختلفة جدا. بمعنى أنني أردت لهذه الرواية بالذات أن تمنح القارئ متعة القراءة دون أن تعفيه من مخالب الأسئلة ومخالب خدع سردية قد نعود إليها.

هل يمكن أن يحدث العكس أحيانا وتكون للمخالب متعة ما، متعتها المؤذية أو المنتشية؟

فاتحة مرشيد : بالتأكيد نعم، لأن “جذور اللذة في الألم، وجذور الألم في اللذة” كما قال ميخائيل نعيمة. وقد قال نزار قباني: “أومن بلذة الألم وبجمالية القبح..”.

قد يجد بعض الناس، الذين يحبون الانفعالات القصوى، متعة في المخالب ولذة في الضياع. الإنسان حمال تناقضات، وللرغبات الإنسانية مفارقات ذات طابع إشكالي أكثر تعقيدا من أن نتطرق إليها في حوار له حيز زمني محدد. وعلى العموم هو موضوع يستهويني وقد أعالجه في رواية قادمة.

الرواية تطرح قضايا كثيرة ومتعددة الوجع، كظاهرة البطالة، جيوش لا حصر لها تشيخ على قارعة البطالة بكل مستوياتها، بما فيها البطالة الاجتماعية والثقافية، يعني حالة عطالة حتى عن الحلم والحياة والحب والفرح، لا شيء في الأفق المغلق غير الهرب إلى ملاذات وملذات خاطئة ومذنبة أيضا؟

فاتحة مرشيد : الإحساس بالكرامة مرتبط بالحرية ولا توجد حرية دون استقلال مادي. الإنسان يثبت وجوده بواسطة عمله، بواسطة إنتاجه. لهذا فالبطالة تخدش الكرامة وتعطي الإحساس بعدم الجدوى. تخيلي معي هذا الشاب أو الشابة الذي درس وكافح وسهر الليالي متمسكا بأمل النجاح. تخيلي إحباطه حين لا يجد عملا.. هذا ينفي لديه الثقة في نفسه، في المجتمع وفي الحياة ككل. لهذا أستهل الرواية بجملة: “أن تكون عاطلا عن العمل فأنت حتما عاطل عن الحب عاطل عن الحياة”. أنت عاطل عن حب الجميع وعن حب نفسك إذ كيف تحب نفسا أنت غير راض عنها. ثم إن الطبيعة لا تحب الفراغ.. فعندما لا نستطيع ملأه بما هو مجد وإيجابي فنحن حتما نملأه بما هو سلبي علينا وعلى المجتمع.

أيضا تطرقت الرواية للدعارة عند الرجال، هذا الطابو وهذا المسكوت عنه، هل هناك عينات حقيقية في المجتمع شبيهة بشخوص الرواية في هذا الشأن بالذات، أم هي نفسها شخصيات حقيقية وقمت بإنزالها إلى أرض الرواية، أم أن للمتخيل دوره واجتهاده؟

فاتحة مرشيد : لا يجب أن ننسى أن العمل الروائي هو عمل إبداعي قبل كل شيء يسبح بين الواقع والخيال. في “مخالب المتعة” انطلقت من الواقع، من ظواهر حقيقية، وأنسجت قصة مستعملة خيوطا من المتخيل وألوانا من الشعر. يقول ماريو فارغاس يوصا “كاتب القصة ليس مسؤولا عن مواضيعه، فالحياة هي التي تفرضها عليه، ولكن عما يصنع بها بتحويلها إلى أدب”. أما عن الدعارة فهي أقدم مهنة في العالم، عند النساء والرجال على حد سواء.. الفرق أننا أصبحنا نتكلم بحرية عن أمور كانت مكتومة. كثيرا ما تطرق الأدب العربي إلى ظاهرة الدعارة عند النساء، وكأن المرأة تختص بهذا الوضع، متناسيا الدعارة عند الرجال، معتبرا إياها من ضمن الطابوهات. مع أنها موجودة في كل المجتمعات لهذا بدا لي هاما أن أزيح الحجاب على هذا الموضوع. لأن ما ننتظره من الأدب ليس كتابة المثالي.

وظفت في مخالب المتعة توابل وبهارات متنوعة ومتعددة المستويات من الموروث الشعبي والأمثال والحكم إلى الأغاني المغربية والعربية، والشعر وحتى اللغة المغربية العامية وصولا إلى خبرتك الطبية العلمية، كيف وجدت تنقلاتك بين كل هذه المستويات؟

فاتحة مرشيد : المضمون هو الذي يفرض الشكل الفني الذي تكتب به الرواية. فكون السارد في “مخالب المتعة” شاب عاطل جعل الخطاب ذا خفة وتلقائية وفيه لمسة سخرية. وطبعا تعدد الشخصيات وتباين مستوياتها الاجتماعية والثقافية وتعدد مستويات الخطاب تحتم هذه التنقلات التي أشرتِ إليها. لأن المفروض أن تكون الرواية مقنعة. وحتى يتأتى ذلك لابد من أن تكون الشخصيات أقرب ما يكون من واقعها بحيث تبدو حقيقية إلى أبعد حد.

الخداع الجميل في العمل الروائي يكمن في تقليص المسافة بين التخييل والواقع وتحقيق انسجام بينهما يجعل الحكاية متماسكة وأكثر واقعية من الواقع نفسه.

فقدان المرأة الثقة بجسدها وبالموازاة رغبتها في اعتناءها بهويتها الجسدية ولذتها الجنسية وهذا ما أشرت له من خلال لجوء بعض النساء في مرحلة سن اليأس إلى جراحة تجميل لتنشيط الرغبة لديهن والإحساس بأنهن في العمر المناسب لهكذا حالات.

فاتحة مرشيد : ما تخافه هؤلاء النساء أساسا ليس هو ظهور التجاعيد أو الزيادة في الوزن أو ارتخاء العضلات بقدر ما هو فقدانهن لحب أحبائهن.. فكل هذا الركض وراء علامات الشباب- بما فيها النشاط الجنسي- يخفي ركضا وراء حب هارب. في مجتمع أصبح يستهلك كل شيء منذ أضحى كل شيء ذا صلاحية محدودة حتى الحب حتى الإنسان.

في الواقع هناك صغيرات السن لكن الرغبة الجنسية لديهن في حالة عطب أو سبات، هل لأنهن يعانين من سن اليأس النفسي وهو أخطر وأكثر أذى أم بسبب سن يأس آخر؟

فاتحة مرشيد : جاء في الرواية على لسان إحدى الشخصيات: “لا توجد جراحة لتجميل قلب تسربت إليه التجاعيد ووحده القلب يهمني”. بمعنى أن عمر الإنسان في قلبه وقدرته على الحب والعطاء. سن اليأس بالنسبة إلي هو عندما يفقد الإنسان هذه القدرة سواء كان امرأة أو رجلا. وقد يتمكن اليأس من شباب في عمر الزهور في حين تجدين آخرين متقدمين في السن أكثر حيوية ونشاطا وإقبالا على الحياة.

بالمناسبة ظاهرة الركض خلف الشباب الهارب، هل حقا هو خوف من الشيخوخة أم خوف من الحياة نفسها. وإلى حد تخيفك أنت هذه الحالة وهذه الهواجس؟

فاتحة مرشيد : لا تخيفني الشيخوخة لأن النضج منحني الكثير. منحني الثقة بنفسي كإنسان يمكنه أن يصنع بنفسه ما يشاء لو تولدت لديه الإرادة في ذلك. وأنا أومن بأن الجمال شيء نسبي جدا ولكل سن جماله وبهاءه. ثم لو كانت هناك مهنة يخدمها الزمن ويصقلها وتُلقي عليها الشيخوخة هالة من الاحترام والتقدير فهي مهنة الكتابة –لو حق تصنيفها كمهنة- وحدها المهن التي تعتمد على الشكل الخارجي أساسا من شأنها أن تعاني من قسوة الزمن. إضافة أنني بحكم عملي أشاهد يوميا أطفالا يعانون من المرض وأطفالا يتألمون وأطفالا يموتون.. فيزداد وعيي بأن الوصول إلى سن الشيخوخة هبة من الحياة قد تكون معجزة في بعض الحالات.


تعاملت مع الجسد والجنس بثقافة عالية وبفكر مبدع، وليس كما يحدث في بعض الروايات بنوع من التعهير والخلاعة، هل هذا راجع إلى تكوينك العلمي بالأساس؟

فاتحة مرشيد : التحليل النفسي كان دائما يستهويني بالرغم من كونه ليس من اختصاصي، لهذا عندما أعالج موضوع الجسد ومتطلباته فأنا أحاول معالجته في كليته، متشبعة بنفسية الشخصية، بروحها، بمعاشها، بما تخزن في ذاكرتها وفي لا وعيها لأن الإنسان خليط من كل هذا. صحيح أن الروائي هو قدر شخصياته،لكنه قدر بمنطق المجتمع الكائن والمجتمع الممكن، الروائي شبيه بالمحلل النفسي يستدعي شخصياته على أريكة التحليل. ولا يمكن أن نتحدث عن سلوك إنساني معين دون ربطه بأسبابه السوسيولوجية والنفسية وبآفاق هذا السلوك. ثم إنني لا أصدر أحكاما أخلاقية. لأن الروائي ليس قاضيا ولا واعظا ولا منظرا. هو يحكي حكاية المطلوب أن تكون ممتعة أولا، وأن تخاطب ذكاء القارئ على حد قول ألبير كامي.ولكي تتجه إلى ذكاء القارئ فلا بد من الحرص على إحداث تفاوتdécalage  بين الكلمات والواقع لأنه دون هذا التفاوت لا تكون الكتابة ممكنة أو على الأقل تسقط في الإسفاف والتسطيح.   

قلتِ : “لا يوجد إبداع خارج دائرة الجسد من وجهة نظر التحليل النفسي، كما أن الكتابة بمعناها الأدبي والنقدي تكتب الجسد، جسد الإنسان. إلى أي حد يعنيك هذا الجسد، وهل الجسد في الرواية كما في الشعر قيل كما يجب؟

فاتحة مرشيد : الكتابة عن الجسد كانت دائما موجودة، يكفينا الرجوع إلى تاريخ الأدب العربي وخاصة الشعر وشعر الغزل أساسا، الجديد هو أن المرأة الكاتبة أصبحت لها الجرأة في الخوض في هكذا مواضيع. لا يوجد إبداع خارج دائرة الجسد، كما يقول فرويد، وهنا كذلك يكفي العودة إلى أشكال الإبداع الأخرى من نحت ورسم وتشكيل وغيرها. كما أريد أن أضيف على أنه من الناحية الطبية، أيضا، تعتبر المصالحة مع الجسد ضرورة لتوازن الكائن ولمصالحته مع ذاته ومن تمّ مع الآخر. والمصالحة مع الجسد تتم عبر الإنصات إليه والتعبير عنه. كثيرا من الأمراض العضوية والنفسية سببها الكبت بمفهومه الشامل.أما عن الكتابة فهي إعادة ترميم الذات والكاتب يعيد بناء جسده والأجساد التي تسكنه من خلال جسد الورقة جسد القلم وجسد الحرف. كما يرمم النحات جسده من خلال سبره لأجساد المواد التي يشتغل عليها.

الرواية فيها الكثير من الجرأة والكثير من المسكوت عنه عاريا ومنتقدا، هل تتوقعين أن يكون القاريء على مستوى هذه الجرأة وهذا الوعي..ألن ينصدم أو يصدم بالطابوهات التي كسرتها الرواية؟

فاتحة مرشيد : الجرأة بالنسبة إلي هي صدق في ما أنقله عن الواقع.تغيير الأوضاع والأشياء يبدأ بالنظر إليها، لا بغض النظر. بالتعبير عنها بصدق. بتسمية الأشياء بمسمياتها. لا يمكن أن نتجاوز وضعا بالتغاضي عنه بحجة العيب أو لحشومة. لحشومة هي أن ندفن رؤوسنا في الرمل مثل النعامة. القارئ ينتظر منا ككتاب أن نقول ما لم يستطع قوله ولكنه يخبره ويحسه. أن نصدمه بما يعرفه. القارئ إنسان ذكي ويتحتم علينا احترام هذا الذكاء.

ماذا عن شخصية “جيغولو” الفتى المرغوب العشيق، برأيك إلى أي حد  يمكن للقارئ أن يتوائم أو يتعاطف معها؟

فاتحة مرشيد : بعض القراء سيتعاطفون مع الشخصية والبعض الآخر سينتظر نهاية أخرى أو ربما قصة أخرى قد توحي له بها قراءته الخاصة للعنوان ، الشيء الذي قد يخلف لديه الإحساس بالانقطاع أو ربما الخيبة. لكنني لا أكتب ما ينتظره القارئ بقدر ما أتوق إلى كتابة تباغت، ذلك أن عنصر الدهشة، يشكل عصب العملية الإبداعية. كما لا أحب أن أكتب ما يحبه القارئ ولكن ما لا يعرف بعد أنه سيحبه. الرواية تعالج ظاهرة الدعارة عند الرجال ومع ذلك لن يجد القارئ فيها وصفا لممارسات جنسية، لأنني، بكل بساطة، ارتأيت محاورة الشخصية في بعدها الإنساني العميق. الجيغولو إنسان أحب زبونته كما قد تحب مومس أحد زبائنها لكن هذه العاطفة السامية، التي هي الحب، ما تلبث أن تصطدم بواقع هو أقوى منها.. واقع يصر على أن يبقى كل واحد في الخانة التي وضع فيها- ولا يهم إن كانت من اختياره أم فرضت عليه- فهذه العاطفة ستمنحه، للحظة، الوهم بأنه عشيق وله على عشيقته حقوق. ليكتشف بعدها أنه “شيء جنسي” لا يمكنه أن يرقى إلى درجة إنسان. هذه شخصية مسكوت عنها. وأعلم أن بعض القراء في مجتمعنا العربي، وخاصة بعض الرجال منهم، قد ينزعجون منها،قد يصدمون بها، قد يحقدون على “عزيز” لكن هناك من سيتعاطف معه كما نتعاطف مع هشاشة الكائن فينا. لأننا كقراء نتعامل مع الرواية طبق مرجعياتنا الثقافية ومعاشنا والحالة النفسية التي نكون فيها أثناء قراءتنا لها. لهذا لكل قراءته الخاصة التي قد تتغير أثناء العودة بعد حين لإعادة القراءة. النص حمال أوجه وكلما كان غنيا فتح أبواب قراءات متعددة.

كيف ترين الجرأة في الكتابة، خاصة عند الكاتبات،وهل بمقدور الكتابة تغيير الأشياء وبعض القناعات الخاطئة والأغلاط وما إلى ذلك؟

فاتحة مرشيد : الأدب والإبداع عموما يستبق الزمن، يحمل رؤية مستقبلية، وإن هو لم يحدث تغييرا جذريا فهو على الأقل يزعزع الثوابت.. يجبرنا على طرح الأسئلة الحقيقية. وإن كنت أتمسك بجانب المتعة في العمل الإبداعي فهي تصبح مضاعفة إن نحن انتهينا من كتاب وأحسسنا أنه أضاف لنا شيئا.. أننا كبرنا بعده واتسعت زوايا النظر لدينا. الكتابة مثل القراءة إما أن تشعرنا بالامتلاء أو لا تكون، كلاهما يزودنا بالرغبة في الإقبال على الحياة وأنا مدينة لقراءاتي بالشيء الكثير.

ما هي الحالات التي تحفز على الكتابة؟

فاتحة مرشيد : كل حالة أعيشها هي ذريعة للكتابة: أشتغل على تجربة الألم كما أشتغل على تجربة الحب ويلهمني الفراق كما يلهمني أجمل لقاء. وأتفاعل مع محيطي كما تتفاعل ذرة مع باقي ذرات الكون.. بين وصل وفصل.. يلهمني وجد الانجذاب كما يلهمني قلق النفور.

لو قارنا “مخالب المتعة” وروايتك الأولى “لحظات لا غير”، ما القواسم والفواصل المشتركة بينهما، مع العلم أن لحظات لا غير رواية الحبّ وللحب. لكن هل يمكن اعتبار مخالب المتعة أكثر جرأة منها لأن موضوعاتها غير مطروقة بكثافة؟

فاتحة مرشيد : لا يمكنني المقارنة بين أعمالي، لأن كل عمل ولد في ساعته بحيث لا يمكن استبداله ساعتها بعمل آخر.. المهم أن أكون مقنعة حسيا وفكريا وجماليا في كل ما أقدمه للقارئ. أنا لا أطيق التكرار ولا أتمسك بنوع واحد من الكتابة. كل كتاب هو مغامرة جديدة أدخلها مسلحة بالتجارب السابقة لا مكبلة بها. لهذا فرواية “مخالب المتعة” مختلفة جدا عن رواية “لحظات لا غير” لأنها ببساطة لا يمكن إلا أن تكون كذلك أسلوبا وموضوعات. وهذا لا يعني أنها أكثر أو أقل إبداعا من سابقتها. ومع أن الكتابة مثل الحياة لا تعرف الرجوع إلى الوراء، فإن الروايتين معا –في عمقهما- كتابان في الحب كتجربة إنسانية، علما بأنه لا توجد طريقة واحدة للحب. الحب أنواع متعددة بتعدد العلاقات البشرية.

كيف ترين أفق الشعر في المغرب والرواية، هناك من يرى أن الشعر متطور ومتقدم على الرواية؟ أنت ما رأيك؟

فاتحة مرشيد : أنا لست ناقدة. لكنني كقارئة، وبنهم، يمكنني القول بأنه يوجد في المغرب، حاليا، حركة أدبية نشيطة وغنية في الشعر وفي الرواية وفي القصة. وهناك إنتاج غزير كمّا وكيفا يتسم بالجرأة وبحرية في التعبير. كل زمن وكل جغرافيا تفرز إبداعها الذي يعكس بالضرورة همومها وتطلعاتها ويشاغب كذلك على بِركة الوعي الراكد. ونحن في المغرب في مرحلة مصالحة مع الماضي وهناك مناخ يساعد على الخلق والإبداع وعلى الكتابة الجريئة.

وحتى أعود لسؤالك حول من منهما المتطور الشعر أم الرواية؟، أقول إنني بحق لا أحب المفاضلة بين أشكال التعبير. الشعر يتسع لأسلوب السرد والسرد يتسع لأسلوب الشعر. هما متكاملان وأفقهما واحد. الجدل حول “أزمة الشعر” أو “زمن الرواية” أو.. لن يساهم في تطور الشعر أو تقدم الرواية. وحده النهوض بكل أشكال التعبير الإنساني.. تحريرها من كل رقابة أو حصار إيديولوجي بوسعه أن يخدم الشعر والرواية والإنسانية ككل.

—————————

جريدة النصر الجزائرية في 7 جويلية 2009