أمهات في حياتي
امرأة استثنائية تعطي بدون مقابل للجميع، تلك كانت حماتها، الأم الثالثة للشاعرة فاتحة مرشيد. وبحكم معرفتها المسبقة بالعائلة (علاقة مصاهرة كانت تجمع العائلتين من قبل)، فقد كانت الحماة تعز فاتحة كثيرا. وفي اللقاءات العائلية التي كانتا تلتقيان فيها ، كانت دائما تثني على أخلاقها وجديتها بكل حب لا يخلو من حدب على هذه الفتاة التي عاشت طفولتها بعيدا عن أمها البيولوجية، وبالمقابل كانت فاتحة تستشعر هذا الحب الأمومي ومعجبة بمن ستصبح حماتها، قبل أن تقع في شراك هوى ابنها جمال، الطالب بإحدى جامعات مونبولييه الفرنسية في شعبة الاقتصاد.
تحفظ فاتحة لهذه المرأة المعطاء كثيرا من الود منذ لحظة خطبتها، بعد أن احترمت اختيارات فاتحة وزوجها في عدم إقامة حفل زفاف، قائلة إن ما يهمها هو سعادتهما دون التفاصيل الهامشية.
عندما انتقلت، وهي في ربيعها الثالث والعشرين، لبيت عائلة الزوج بمفردها ودون مراسيم الاحتفال بهذا الزواج، وجدت في حماتها التي كانت تناديها مثل الجميع “أَمَّ” حنانا افتقدته منذ وفاة ماما فاطمة. كان زوجها جمال آنذاك يتنقل بين الدار البيضاء ومونبولييه حيث كان يشتغل على أطروحة الدكتوراه.
تحكي فاتحة عن هذه الفترة التي عاشت فيها برفقة حماتها كيف كانت هذه الأم فياضة بعطفها، وحرصها على أن تكمل العروس الجديدة دراستها في أحسن الظروف إذ كانت تمنعها من القيام بأبسط الاشغال المنزلية، حاثة إياها على الالتفات الى دراستها فقط وتحقيق هدفها، إذ كان لايزال أمامها ثلاث سنوات للتخرج قبل التخصص.
“تحملت عني “أَمَّ” أعباء كانت ستثقل كاهلي وتصرفني عن تحقيق طموحي. لقد عشت معها إحساس الطالبة في بيت زوجي .. وكم كانت سعيدة وفخورة بي يوم نيلي شهادة الدكتوراه.”
كانت حماة فاتحة تتميز بصبر كبير وكبرياء أكبر فلا تشتكي من تعب أو تعلن عن مرض قبل أن يتحداها معلنا جهرا عن نفسه. تزوجت وعمرها أربعة عشرة سنة، فقدت أربعة من أبنائها في سن الرضاعة ونذرت حياتها للباقين الذين تمسكوا بالحياة.
تقول فاتحة عن أمها الثالثة: “كانت “أمّ” من نوع النساء اللواتي أعطين الكثير لهذا البلد، ذاك العطاء الذي يتغاضى عنه التاريخ لأنه يتوارى في حياء خلف جدران البيوت.. وهن كثر.”
هذه العائلة التي تنتمي إلى قبائل بني يزناسن بالمغرب الشرقي، وعلى رأسها الأب العصامي المعروف بكرمه، احتضنت فاتحة بحب كبير، وذللت عديدا من الصعاب التي كانت تعترضها ووفرت لها أسباب الراحة والتحصيل.
تتحدث فاتحة بحزن عن حماتها التي نفثت أنفاسها الأخيرة يوم 21 أبريل 2017 وهي ممسكة بيدها في سيارة الإسعاف التي تقلها من المصحة إلى البيت حين عجز الطب عن إنقاذها، قائلة بأنها عاشت معها ومع أختيّْ زوجها بنفس العمارة ما يناهز عشرين سنة حيث كانت كل أسرة تشغل شقة في طابق، قبل أن ترحل إلى بيتها الخاص، لم يحدث أبدا بينها وبينهم نزاع ولم تشعر أبدا بأنها غريبة وسط هذه العائلة، فقد كانت حماتها أمّا لها وبنتاها أخوات.. وتضيف أنها لم تذكر يوما أن حماتها صعدت من طابقها الأول إلى شقتها بالطابق االرابع دون دعوة رسمية، فقد كانت لها عزة نفس يضرب بها المثل.
تقول فاتحة عن أمهاتها الثلاث: “ليست الأمومة علاقة دم فحسب لكنها علاقة حب إنساني قد ينمو حيث لا ننتظره فيكسر كل الكليشيهات. كانت أمي الثانية “زوجة أب” وكانت الثالثة “حماة” وكل واحدة منهما جاءت كهدية من القدر لتساعدني على تخطي فترة حرجة من حياتي.” وتضيف بأنها مدينة لأمهاتها الثلاث بما منحنه لها في غفلة منهن.
الحلقة 4: “أمهات في حياتي.. حماتي، أصابعها الشموع”، الاتحاد الاشتراكي، الخميس 4 يوليوز 2019، العدد 78122