في الدورة قبل الماضية من معرض الشارقة الدولي للكتاب، كنت أتجول بين الأجنحة باحثا عن الكتابات الروائية الجديدة للمبدعات العربيات، وفي حقيقة الأمر كانت أعداد الروايات النسوية، إذا جاز التعبير، قليلة، وعلى سبيل الصدفة وقفت أمام إحدى دور النشر المغربية أتحدث مع الناشر في هذا الموضوع، فإذا به يهديني رواية “لحظات لا غير” لكاتبة مغربية اسمها فاتحة مرشيد، وقال لي: إنها رواية تستحق القراءة.
في الليلة نفسها بدأت في قراءة تلك الرواية التي شدتني منذ البداية إلى متابعتها، وتذكرت وقتها جملة للمقيم الأمريكي الشهير للسيناريوهات سيد فيلد الذي عمل في استوديوهات هوليوود لعقود يقول فيها: “السيناريو الجيد تكتشفه من الصفحات العشر الأولى، أما السيناريو الممتاز فإنك تكتشفه منذ الصفحة الأولى وكذلك الرديء”، ولم أكن أتوقع وأنا منهك أن أكمل قراءة الرواية حتى نهايتها في الليلة ذاتها، لكن ذاك ما حدث، وانتابني شعور بالسعادة فقلما بات المرء ينجذب إلى عمل روائي لا يستطيع منه فكاكا قبل أن ينجز قراءته في يوم أو يومين، لكن ذاك الشعور بالسعادة خالطه شيء من الشعور بالتقصير، بل حتى تأنيب الضمير على قلة التواصل مع المنتج الإبداعي العربي الجديد، والذي يحمل في طياته جملة من الإشارات حول ما هو أبعد من حقل الإبداع نفسه، ويصل إلى قلة الاهتمام بالقضايا الحيوية العربية وفهم تفاصيلها خارج ما يبثه الإعلام، كأننا مع كل أدوات التواصل الحديثة أصبحنا نعيش في جزر منفصلة عن بعضها بعضاً شعوباً ومثقفين وأفراداً، حتى إن الكثيرين حصروا اهتماماتهم في دائرة قضاياهم اليومية والحياتية.
وحتى لا أبتعد عن الموضوع الرئيس، ففي الحقيقة بقيت متشوقاً إلى الاطلاع على الإبداعات الأخرى لمرشيد، وجاء بعد ذلك مهرجان دبي الدولي للشعر حيث تعرفت إليها على عجالة، فأهدتني رواية ثانية لها، كان إقبالي على قراءتها لا يقل متعة وشغفا عن الأولى وأكثر.
ما لفت انتباهي أن أجواء الروايتين متباعدة، فالأولى تدور في إطار شخصيات نخبوية وحالات لها خصوصية كبيرة من حيث الاهتمامات، أما الرواية الثانية فتطرح قضية عربية عامة وهي قضية البطالة، ومع ذاك التباعد في مناخ الروايتين فقد كان التعاطي مع السرد بنضج واضح لجهة امتلاك تقنيات الرواية من حيث علاقة الشخوص بحواراتهم، وبالمكان الذي ينتمون إليه، وبالتقطيع داخل الرواية والانتقال بين أزمنة عدة، وكل تلك الأمور في رواية لا تتجاوز المائتي صفحة من القطع المتوسط، وهو ما يستوقف المرء مجدداً حول بعض المطولات الروائية التي يمكن تكثيفها حتى لا تنفر القارىء من متابعتها لمجرد النظر إلى حجمها.
من المدهش حقا أن مرشيد أرسلت لي عبر البريد العادي منذ أيام مجموعتين شعريتين لها، ما أشعرني بفرح عامر للإحساس العالي لهذه المبدعة.