رياض خلف:
تداعيات
مرة أخرى يعلو المطر عملا أدبيا… في عنوان شعري رأيت أن به من الطرافة الكثير… ومرة أخرى أراني أمام عمل شعري لا تتشابك فيه الكلمات ولا تصنع غموضا مقرفا… بل أن الشاعرة تنطلق من خصوصية ثابتة من خصائص الشعر النسائي العربي لا يحجبها تفلسف او تهرب… فالمرأة العربية المعاصرة تتبوأ عادة في شعرها مكانة موسومة بالعشق… ولابد ان نلمح الى ان الخطاب العشقي النسائي قد تطور وتبدل لكنه حافظ على نفس ملامحه… وهذا ما يحيلنا عليه كتاب فاتحة مرشيد …(2) دائرة في العشق
يضم الكتاب جملة من القصائد لكنها جميعا تدور في فلك الحب والعشق فالخطاب الشعري عندها موجه الى الآخر الحبيب فهو حاضر ضمنيا وشكليا اذ نظفر بقرائن لغوية عديدة تحيلنا الى المتقبل المخصوص مثل حركة الضمائر التي يغلب عليها ضميري الجمع والمخاطب المفرد. والشاعرة هنا عاشقة بامتياز تتخلى عن كل شيء… عن كبرياء المرأة العربية وتمنعها وعن كبرياء الحياة وصفاتها لتنزل الى هذه القصائد باندفاع طفولي.
ولكن الشاعرة تخرج من الدائرة الاولى…صحيح ان من ما تقوله وما تطرحه في خطابها يراود أي شاعرة وأي امرأة غير ان طريقة القول تبقى مختلفة…فالشاعرة أطلقت صورا شعرية جديدة وحاولت ان تقتطف جملا عاطفية لم تقلها النساء… فالرغبة واضحة في تجاوز مضمون الخطاب العاطفي اختراق الحدود القديمة… وهذا ما أضفى على ديوانها الكثير من الجرأة:
“تبحث تحت قميصي عن رائحة طفولتك
أبحث بين شفتيك عن قصيدة تشبهني”
وتضيف :
“تتكئ الوسادة
على وجعنا
والسرير عبثا يصر
على طي المسافات” ص16
(13) رذاذ الوحشة :
ولكن بين ثنايا العشق يطل رذاذ الوحشة…يلقي بظله الكئيب على الشاعرة ويطلقها الى عالم آخر من عالمها العشقي والنفسي. فثمة توتر وخوف من هذا العالم :
“وحده البحر
يليق بتوتري
اهديه اياه
كل صحو
قبل ان تغسلني
دموع العالم…” ص23
وثمة دموع تنحبس :
“وأتماسك/ بين دمعتين
كي يكتمل القصيد” ص24
وثمة وحدة القاتلة:
“ليل آخر
يمر
لا دمع بكر
لا نواح
ولا زغاريد
تعال نغرد
فطيور الليل
يداعبها الضجر”
(4) عن الأشياء :
تطوف الشاعرة فلك الاشياء في قصائد مختلفة فتلح على أن تكاشفنا وأن تطرح أمامنا صورة ممزقة للأشياء ففي “ليكن” سرير نافر من آلم الضلوع وطاولة تلزمها تقة ومقعد متعب وحبر مكتئب وفنجان ظامئ ونافذة مغلقة الى غير ذلك ويكاد نفس الامر يظهر في “أشياء الغياب” فالشاعرة تومئ بتوتر وقلق ومعاناة وتحيلنا على أحزان الذات
(5) التهمة :
“يصلبون رحمها
ويبحثون
في قطرات الدم الجافة
تحت التراب
عن قلم رجل” 113
هذا المقطع هو قصيدة “التهمة شاعرة”
ويتضح خلاله إحساس الشاعرة كمرأة في مجتمع عربي…وبقطع النظر عن الصور الشعرية وطرافة الأبيات فهي لا تخلو من التحدي …
لقد كانت تجربة فاتحة مرشيد الشاعرة المغربية بالنسبة لي اكتشافا هذه الأيام فبعض نصوصها مازلت أتذوقه وأنتظر له يوما ممطرا كي أتمعنه… ومن قراءة الى أخرى يلوح لي أن هذا الصوت الشعري يحمل علامات تميز كثيرة ففيه من التصوير والجرأة الكثير وهو يستحق الدراسة شأنه كأعمالها الأخرى مثل “ورق عاشق” و “إماءات”.