0%
Still working...

تجليات الحب والفقدان في رواية: “التوأم” للروائية المغربية فاتحة مرشيد

د.حسن اليملاحي

– تقديم

تعتبر الشاعرة والروائية فاتحة مرشيد من الأصوات الإبداعية النسائية المغربية المتميزة التي راكمت إلى حدودالآن العديد من المنجزات الإبداعية في مجالي الشعر والرواية،وهي منجزات كثيرا ما لقيت استحسانا من لدن القارئ المغربي والعربي والنقاد على حد سواء.وغني عن البيان أن مصدر هذا الاهتمام يعود بدرجة أولى إلى طبيعة هذه المنجزات،وما تثيره من أسئلة متنوعة ومختلفة من حيث المعنى والمبنى،ناهيك عن جدتها التي تتميز بها.وسنحاول من خلال هذه القراءة المتواضعة الوقوف عند هذا المتن من حيث العنوان والموضوع مرورا ب التقنيات السردية التي توسلت بها الروائية فاتحة مرشيد في بناء النص، وانتهاء بالخاتمة.

– في مسألة العنوان:

في حال تأمل العنوان،يلاحظ أن الروائية مرشيدقد اختارت لمتنها الروائي لفظة”التوأم”.ولما كان هذا المتن الخاص مثيرا لاهتمام المتلقي،فإننا ارتأينا هنا الوقوف بين يدي العنوان وتأويله دلاليا من خلال قراءته وربطه بالنص،إيمانا منا بطبيعة الصلة القائمة بين هذا المتن- أي العنوان- والمتن العام ككل.و”التوأم” كما لا يخفى هو الذي ولد مع شقيقه في بطن أو لدت مع شقيقتها في نفس البطن.نقرأ”قبل قليل خرج ليهنئني مرتين لأنني سأصبح على حد قوله أبا لتوأم”.ص:41. ونقرأ أيضا”لم أنطق بكلمة خلال الطريق كنت أنا بدوري حاملا بتوأم”.ص:43. وفي قراءة الرواية قراءة متأنية و ربط العنوان بالنص، يلاحظ القارئ من الناحية الدلالية أنه- أي التوأم – يأخذ بعدين:

-الأول: ظاهر ويبدو من خلال الدلالة الصريحة التي يحفل بها النص وتتلخص في رابطة الدم القائمة بين التوأمين،

-الثاني: غابرولكنه يفهم من سياق النص من خلال اعتماد التأويل،ويمكن التمثيل له في التوحد والانصهار الذي عادة ما يحصل بين الإنسان والإنسان،ذكرا كان أم أنثى.مثلا العلاقة القائمة بين البطل وموريس.نقرأ”كما ساعدني موريس الذي ظل بالرغم من انشغاله بمعرض جوانا حاضرا بجانبي”.ص:154، أوبين الرجل والمرأة ونمثل لهذا بحالة البطل الذي تجمعه بزوجته علاقة زواج،وبأختها الطليقة علاقة حب.نقرأ”شكرتها

ونهضت يقتلني الشوق لوجه النور الذي لا شك اكتسى سحرا جديدا منذ ليلة أمس”.ص:90.لكن وعلى الرغم من أن هذا التوأم يعكس هذا الانصهار،فهو من جانب آخر يرمز إلى التشتت الذي يصيب بعض العلاقات نتيجة الاختلاف بخصوص بعض الأسئلة الخاصة بالذات والمجتمع.وأعتقد أن هذه السمة تتجسد في العلاقة التي باتت تجمع بين كمال ونور التي أصابها الاكتئاب وهي حامل بعد أن تخلى عنها رفيق عمرها لأسباب نفسية.نقرأ”لماذا تخلى عني؟أريد أن أفهم”.ص:72.

– في المتن الحكائي:

تتناول رواية التوأم قصة مخرج سينمائي يجد نفسه يعيش على عواطفه بعد أن فك ارتباطه الرمزي بالواقع. نقرأ” الخيال أسمى من الواقع”.ص:89.وفي سياق آخر نقرأ في نفس الصفحة”علاقتي بالواقع مشوشة..”.وعلى الرغم من زواجه من نادية،سيجد مراد نفسه يدخل في علاقة حب نفسية مع شقيقتها نور طليقة كمال التي ستكتشف بأنها حامل منه بتوأمين.يقول السارد”وكانت أجمل أيام حياتي وأنا أتنقل كفراشة بين طنجة وكابو نيغرو، بين نادية ونور،بين السر والعلانية..”ص:120.وأمام هذه الوضعية –بكل ما تنطوي عليها من أسئلة محيرة وملغزة -سيستمر الرجل على نفس الموقف،موقف الحب الممنوع،ويعد نور معه بإمكانية تبني التوأم بعد الولادة راجيا منها في ذات الوقت عدم التخلص من حملها،وهي التي لا تملك الإمكانات المعنوية لتربيته.وعليه، فالقارئ يتساءل عن طبيعة وخلفية هذا الإصرار الملتبس وغير الواضح الذي حمل الرجل على ركوب هذه المغامرة.لكن ومع توالي الأحداث،سيجد القارئ تفسيرا لهذا السلوك الغريب الذي يحرك مراد ويدفعه إلى الارتماء في أحضان هذا الاختيار المليء بالمغامرات.أليس هو من ظل بعيدا عن أخيه التوأم نتيجة الطلاق الذي حصل بين والدته ووالده،ليقررابعد ذلك بالتراضي فصلهما عن بعضهما البعض، ليعيش مراد مع والده وشقيقه مع والدته؟.وفي سياق إيجاد بعض الأجوبة للحيرة التي تعبث بمراد جراء ما يحدث له ويعيشه من مفارقات نقرأ”..أملأنني نصبت نفسي مسؤولا عن ذرية ليست مني؟أم تراني أحاول ترميم شيء من طفولتي؟”ص:60.ومهماكان الأمر،فإن مراد يريد أن يتخلص من ثقل الماضي الذي ما يزال يثقل كاهله،الماضي الأليم الذي حرمه من أخيه التوأم،ولكي يتصالح مع هذا الزمن غير المنصف،يجد نفسه مضطرا للتعامل مع حمل نور كما لوكان منه.لكن ومع تطور أحداث الرواية، فإن هذه الوضعية سرعان ما ستعرف مسارا آخر من خلال الانفراج الذي سيحصل،خاصة بعد الالتقاء بكمال زوج نور الذي جاء من فلورنسا خصيصا لتقديم التعازي لمراد بمناسبة وفاة زوجته نادية،وهي الفرصة التي سيرفض من خلالها الالتقاء بنور والتوأم وائل وجاد،ليفتح هذا اللقاء نافذة أمل جديدة في اتجاه مستقبل العلافة بين مراد ونور.يقول السارد”تلألأت دمعة من مقلتها اليمنى قابلتها بإيماءة تقول:لم لا؟هذا هو السؤال الذي يشرع ألف باب للأمل”.ص:175.هكذا يتحقق هذا الحب بعد طول انتظار.إن حادث وفاة الزوجة قد قلص من المسافات التي كانت قائمة بينهما، مما عجل وزاد من لقائهما لتصبح نور حبيبته بالفعل ووائل وجاد توأم مراد الذي افتقده منذ مدة طويلة.وبرأيي فمهما كانت طبيعة هذه الخطوة التي أقبل عليها مراد،فإنها ستظل موقفا- بما ينطوي عليه من خلفيات إنسانية- ينتصر للحب مثلما ينتصر للحياة.بمعنى آخر،فإن هذا المنظور هوبمثابة دعوة صريحة للجميع من

أجل العودة إلى القيم والتمسك بها،لأن العيش من دونها أو- على الأقل من دونها- لا يفيد في أي شيء ولا يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء.ويلاحظ أن هذا المتن يقوم – من حيث التكوين- على بعض الموضوعات ذات السمات المتحولة وقد رصدنا الكثير منها.ولما كان المجال لا يسمح بعرضها بتناولها، فإننا ارتأينا أنه من اللازم الوقوف عند الحب والفقدان، نظرا لصلتهما الوطيدة بالمتن الحكائي والإطار العام ككل.

تجليات الحب والفقدان:

من السمات التي تحضر بقوة في نص التوأم،سمة الحب والفقدان.ومن خلال قراءة الرواية قراءة راصدة يتضح للقارئ أن هذه السمات تأخذ لنفسها الكثير من المظاهر والتجليات في النص،وذلك على مستوى الخطاب أو ما يصدر من لدن شخصيات النص من انفعال،وسلوك يسير في هذا الاتجاه.

– سمة الحب:

يحضر الحب في العديد من الأنواع السردية خاصة منها الرواية.لكن هذا الاستدعاء كثيرا ما يحضر بشكل متفاوت حسب منظورات وأحداث النص.في رواية التوأم يجد القارئ صدى لهذا الحب.وللاقتراب من عوالمه،نرى أنه من المفيد الكشف عن بعض تجلياته كما بدت لنا في المتن العام ككل.وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن حب نادية لمراد الزوج وحب مراد لنور وحب نور لطليقها كمال.فبخصوص النوع الأول نقرأ”حبي لك يملأ علي الدنيا..”.ص:114. أما عن الثاني فيقول السارد”شكرتها ونهضت يقتلني الشوق لوجه نور الذي لا شك قد اكتسى سحرا جديدا منذ ليلة أمس”.ص:90.وبالانتقال إلى النوع الثالث نقرأ”أنا أدرك أنها تحب غيري..”.ص:50.وإذا كان الحب الأول يدخل ضمن البديهيات التي يتم بموجبها تبادل المشاعر بين الأزواج، فإن النوع الثالث لا يخرج هو الآخر عن هذا الإطار،ليظل حب مراد لنور طليقة كمال شفرة داخل الرواية تحتاج إلى تفكيك سردي من لدن القارئ.

– سمة الفقدان:

ترتبط سمة الفقدان بالحب وتتعالق به سرديا،ويلاحظ أنها تأخذ الكثير من التجليات في النص الروائي.وهذه السمات النفسية تتمظهر في أكثر من موقف وشعور.ولرصد هذه السمة نورد العينات السردية التالية:”إنه بالتأكيد الخوف،خوفي من أن أفقدها هي والتوأم”.ص:92. نلاحظ هنا أن الفقدان يقترن بالخوف الذي يعبر عن نفسية تفتقد إلى الحد الأدنى من الشجاعة لمواجهة الواقع.وأتصور أن هذا الخوف من حيث التكوين هو نتاج الماضي الذي ما يزال يلاحق مراد ويعبث بنفسيته الهشة،ومن ملامحه فقدانه لأخيه التوأم منير بعد أن فرقت بينهما سبل وإكراهات الواقع،ليموت بعد ذلك شقيقه من دون أن ينعما معا بالطفولة والحياة بكل ما تنطوي عليه من لعب وحلاوة ومرارة.وبالانتقال إلى سياق آخر نقرأ”أن تفقد حبيبا شيء مؤلم لكن أن تفقد نصفك،مرأتك ظلك فهذا ما يعجز البشر عن وصفه لأنه فوق طاقة كل بشر”.ص:78.ونحن نقرأ هذه العينة السردية نلاحظ تمثل الفقدان لدى مراد،فهو يجعل منه قوة تشل كل قدرات وإمكانات الإنسان على مواجهة بعض المشاكل خاصة

منها التي تتعلق ببعض الأحباء.وفي سياق آخر نقرأ”منذ مدة وأنا أفقد تدريجيا شغفي بالأشياء،منذ مدة والأشياء تفقد شغفهابي”.ص:10.من السمات التي تميز نفسية مراد،نجد سمة الاختلال والهروب نحو الخيال بعيدا عن الواقع.ولذلك يحضر الحب والفقدان من خلال تداخلهما.بمعنى آخر فإن الثاني يدل على الأول ويكشف عنه من خلال أفعال وكلام مراد على امتداد مساحة الرواية.

– الانفتاح السردي:

من السمات الفنية التي تميز رواية التوأم،انفتاح حكايتها على بعض الخطابات وأشكال القول الأخرى.ويبدو أن تضافر هذه المقومات وحضورها بقدر ما يخدم السرد ويجعله متميزا،فهو يزيد من إمكانات ومنظورات الرواية من دون أن ينال منها فنيا.ومن هذاالمنظور نشير إلى أن متن “التوأم” ينفتح على الحوار الصحفي والمعطى العلمي وبعض الآراءالتي تدخل في العلم والفن والتشكيل،إضافة إلى الأسطورة.وهكذا يمكن التمثيل لهذا الحضور كالتالي:

– الحوار الصحفي أفقا سرديا:

الحوار عملية تواصلية تتم بين طرفين أو أكثر.وهو إلى جانب هذا يقربنا من عالم الشخصيات ومواقفها وأفكارها وسماتها.ووعيا منها بأهمية هذه الفعالية،نشير إلى أن الروائية فاتحة مرشيد قد وظفت الحوار الصحفي،ونفكر هنا في الحوار الذي أجرته”رافاييلا”مع مراد للحديث عن تجربته وكذا نجاحه في مجال السينما –كتابة السيناريو والمونتاج- إلى جانب بعض الإكراهات التي تعترض المنشغل بهذا النوع من الفن.يقول السارد في معرض حديثه عن هذه التجربة”كان حظي أوفر من غيري،لأن الموهبة وحدها لا تكفي،أصبحت بعد سنوات عديدة أنتج لنفسي إلى أن جاءت زوجتي”نادية العالي” لتطور دار الإنتاج الصغيرة بمهنيتها وشطارتها فتوسع مجالات اشتغالها وتحررني في نفس الوقت من مسؤوليات تحملتها..”.ص:. 87وبغض النظر عن ما يحمله هذا الحوار وينطوي عليه من مواقف بخصوص السينما ورؤيا مراد حول الفن والواقع والجمهور،فإن هذا التوظيف بأبعاده الفنية قد زاد من رحابة السرد وجعله منفتحا على هذا النوع للاحتفاء به ولفت انتباه القارئ لأهميته وضرورته الملحة في حياتنا الثقافية.يقول السارد عن هذه الأهمية”الذهاب إلى السينما هو أشبه بالعودة إلى الرحم،فأنت تجلس هناك ساكنا متأملا في الظلام تنتظر الحياة لتظهر الحياة على الشاشة”.ص:97.إن قارئ رواية التوأم لا يستغرب من ربط مراد للحياة بالسينما وهو الذي خبر بعوالمها الفنية.لكن وبموازاة مع هذا المنظور يمكننا أن نتساءل:

– هل فعلا الحياة توجد في السينما،أم إن متلقي هذا النوع من الفن يلجأ إليها فقط لتزجية الوقت والتغيير من إيقاعات الزمن؟

وإذا كان الحوار الأول – من حيث الموضوع – يغلب عليه الطابع الفني،فإن الثاني قد انصرف للاهتمام بمسألة الهجرة ومتاعبها خاصة بعد التقاعد، بحيث تتم عبره محاورة مهاجر متقاعد يسمى حمان حول تجربته في الحياة.نقرأ:

– “متى جئت فرنسا؟

– عندماكنت شابا في السابعة عشرة من عمر..جئت للعمل في مصنع رونو للسيارات”.ص:20.

و في سياق آخر نقرأ:

– “كيف هي حالتك الصحية؟

– الحمد لله على كل حال.أشكو قليلا من ارتفاع الضغط كما أعاني من مرض السكري وأحتاج حقن الأنسولين يوميا”.ص:21.

وبناء عليه،فالسيدحمان هذا نموذج المهاجر المغربي والعربي الذي لا ينعم – بعدالتقاعد– بتقاعده بسبب بيروقراطية القوانين الإدارية للبلد المضيف،والتي تحتم عليه البقاء لمدة ستة أشهر في السنة كي يتقاضى معاشه ويستفيد من الرعاية الصحية.هكذا يحرم حمان من العودة إلى بلده الأم،وهو الرجل الذي جاء إلى فرنسا مهاجرا أيام كان في ربيع ومقتبل العمر،وبعد أن انتهت فرنسا من بناء نفسها بسواعده وسواعد إخوانه،هاهي قوانين البلد تنصفه (وتعيد إليه الاعتبار) بعد التقاعد.وعلى الرغم من أن رواية التوأم تتناول السيرة الحياتية والمهنية لمراد،فإن هذا لم يمنع فاتحة مرشيد من الإشارة إلى بعض القضايا الراهنة التي من شأنها إثارة اهتمام المتلقي بكل أنواعه.وكما هو ملاحظ فقد تمكنت الروائية بذكائها السردي – وما تملكه من استراتيجية – من إثارة موضوع الهجرة للتأكيد على معاناة هؤلاء وإثبات قدرة النص الروائي الانفتاح على بعض الأنواع.

– المعطى العلمي ممكنا سرديا:

إلى جانب توظيف الحوار الصحفي،استدعت الروائية فاتحة مرشيد- من باب التنويع السردي – نظرية البحث العلمي الخاص بعلم الأعصاب.يقول السارد على لسان”موريس”أنهيت لتوي قراءة هذا الكتاب لباحثة متخصصة في علم أعصاب تتطرق فيه إلى الاكتشافات العلمية بشأن آليات الحب وعمل الدماغ البشري. وقد فاجأتني حقيقة أن الحب ليس أكثر من إفرازات هرمونية تعبث بنا وبأن موطنه الدماغ لا القلب”.ص:61.ويلاحظ أن هذه النظرية بما لها من رمزية خاصة تخلخل الاعتقاد السائد الذي يربط الحب بالقلب والقلب بالحب،مثلما تعيد الاعتبار للدماغ باعتباره الحديقة الخلفية لجميع ما يصدر عن الإنسان من سلوكات وانفعالات.

– الرأي خادما للسرد:

في سياق انفتاح النص الروئي على بعض الخطابات وبعض أنواع القول،يسجل القارئ الحضور القوي لبعض الآراء التي تنتمي إلى حقول مختلفة ومتنوعة.وبقدر ما تنم هذه الآراء عن الأفق الواسع للروائية المغربية فاتحة مرشيد وماتملكه من ذخيرة قرائية حية،فهي من جانب آخر تجعل من النص مجالا لالتقاء العديد من ألوان الخطابات والمعارف.ولا يخفى ما لهذا الاستدعاء من تأثير على النص الروائي ككل بحيث يولد لدى المتلقي المتعة والفائدة.ولماكانت هذه الآراء عديدة،فإننا سنكتفي بإيراد وعرض فقط بعض العينات منها.نقرأ”الفيلم هو مجموع التنازلات التي لم نقم بها”،بولانسكي.ص:9.وفي سياق آخر نقرأ”فالضربة لا ترعب،ما يرعب هو

انتظارها”.ألفريد هيتشكوك.ص:74.ونقرأ أيضا”قيود الحياة الزوجية ثقيلة جدا بحيث غالبا ما يلزم ثلاثة أشخاص لحملها”.ساساغيثري.ص:17.وعلى الرغم من ورود هذه العينات/الآراء في سياقات مختلفة،فإنها وظيفيا تخدم الموضوعات المكونة لموضوع أوإطار الرواية.بمعنى آخر،فإن جميع هذه الآراء تفصح دلاليا عن مواقف وعوالم شخصيات الروايةالتي تجمع بينها الثقافة المتمثلة في كتابة الرواية والسيناريو والإخراج الفني، بمعنى آخر فإن جميع هذه الآراء تهيمن عليها أسئلة الفن والسينما والحياة،إلى جانب هذا فهي تضفي على البناء الفني للرواية شكلا جديدا يتجاوز الشكل التقليدي.والحق،فإن الرواية مساحة سردية،ولكي تكون كذلك لا بد لها أن تنفتح على كل أنواع الكلام وعلى كل ماتراه خادما للسرد.وبرأيي فإن الروائي الحاذق والماهر في الكتابة هو من يحول النص الروائي إلى ورشة سردية لاحتضان جملة من الآراء والمواقف وسجلات معرفية أخرى.وعلى العموم فإن رواية التوأم-كما أسلفنا – واحدة من الروايات التي تشكل جزءا من هذا التوجه السردي الجديد الذي أصبح يميز الرواية المغربية الجديدة.

– الأسطورة في خدمة السرد:

الأسطورة شكل تعبيري وحكاية تعتمد الخيال.وفي حال تأمل بعض المتون الإبداعية من شعر وقصة ورواية، سيلاحظ القارئ أن البعض منها يتعالق بالأسطورة لغايات فنية وجمالية تعبيرية.وبغض النظر عما يحفل به هذا النوع من التعبير من إمكانات من شأنها أن تزيد النص الروائي نضارة وجزالة،فإن هذا التوظيف يتطلب من القارئ تأمل هذا الاستدعاء والوقوف عند خلفياته.وبالعودة إلى رواية”التوأم”،يلاحظ استدعاء الأسطورة خاصة في الفصل الثاني وهي تتناول موضوعة الحب بين”أمور”أو”كيوبيد”و”بسيشيه”أو”سايكي”،حب اعترته الكثير من المعيقات والإكراهات،ورغم كل ذلك سينتصر هذا الحب في الأخير لتعود”سايكي” إلى أحضان”حبيبها” كيوبيد”.وفي حال تأمل الخلفيات النظرية لاستدعاء هذه الأسطورة وسياقاتها،سيتضح لا محالة أنها تدخل ضمن استراتيجية عاطفية يروم من خلالها مراد استمالة نور وخطب ودها.وفي ظل غياب استجابة كلية منها لنداءات الحب،وسعيا منه لتعويض هذا الجوع،يبقى مراد المعادل الموضوعي/السردي ل”أمور”أو”كيوبيد”.يتضح إذن أن مراد اتخذ من هذا الأخير معادلالأنه يتقاسم وإياه نار الحب.وبناء عليه يمكننا أن نتساءل هل ستفهم وتدرك نور الخلفيات النفسية والعاطفية لهذه الأسطورة؟

– خاتمة:

تقدم”التوأم” نفسها باعتبارها رواية جديدة تعالج موضوعا إنسانيا جديرا بالاهتمام،الأمر يتعلق هنا بالحب باعتباره قيمة مفقودة.وقد لاحظنا كيفية حضور هذا الحب خلال كل أحداث الرواية من خلال الأفعال والأقوال والمواقف.الأمر يتعلق هنا بمراد نفسه الذي سيدخل في علاقة حب نفسية مع نور شقيقة زوجته و طليقة كمال التي ستكتشف بأنها حامل منه بتوأمين.لكن سرعان ما سيدرك القارئ أن هذا الحب هو وسيلة من وسائل إدراك الذات من خلال حمل نور،سيما وأن مراد قد عاش طفولة قاسية حرمته من شقيقه”التوأم”. ولقد تمكنت الروائية

فاتحة مرشيد من بناء وتمرير هذا الموضوع من خلال استراتيجية قائمة على حشد جملة من الآليات السردية تجمع بين: اللغة التي تجمع بين النثر والشعر والحوار بنوعيه السردي والصحفي والرأي والأسطورة والفن، ناهيك عن استدعاء جملة من السمات أهمها الحب والفقدان.ولن نجازف إن أشرنا إلى أن هذه الاستراتيجية إلى جانب الموضوع جعلت من نص “التوأم” يتسم بالجدة والمتعة، وذلك ما يمكن أن ينتهي إليه القارئ لهذه الرواية التي بقدر ما تزيد من توفير بعض الإجابات، فهي مقابل هذا تزيد من فرص طرح الأسئلة الأخرى التي تخص الذات والحياة والمجتمع والقيم.

Leave A Comment

Recommended Posts