لطيفة لبصير:
فاتحة مرشيد طبيبة أطفال، شاعرة وروائية، صدر لها من الأعمال الروائية “لحظات لا غير” و “مخالب المتعة” و “الملهمات” التي سنتناولها اليوم.
الغيبوبة ذاكرة
يبدأ النص بحادثة سير للناشر عمر، والذي سيكتشف عن وجوده مع امرأة أخرى، وتحدث له غيبوبة تجعل زوجته أمينة تجلس أمامه، وتتذكر وكأن غيبوبة زوجها تحثها على التذكر لا النسيان، فلأول مرة تشعر بأنها ترغب في أن تجد متلقيا صامتا، لايتحرك، ولكنه متواجد جسديا ليتلقى بصمت ذاكرة أمينة وهي تنقر على جراحاتها المتعددة، وتعيد نسج حياتها الخاصة معه. تقول أمينة: ” أكان لابد أن تدخل في غيبوبة حتى أنفرد بك؟ أكان لابد أن تهينني ليعترف الجميع أنني زوجتك؟ فتختفي العشيقات كما بعصا سحرية. وكأن لهن منك الصحة والفرح ولي منك المرض و الحزن. لالست حزينة عليك…بل حزينة علي نفسي”.
تستعيد أمينة حياتها عبر ذاكرة مشحونة بالأسئلة وعلاقات زوجها المتكررة وهو ينحت في الخارج أجسام الملهمات لعالمه الخاص، وتنبذ صمتها وهي تتذكر كل الأشياء التي عاشتها دون أن تتكلم.
ترويض القلم
يبدو القلم الذي يكتب به الكاتب إدريس وهو صديق عمر، والمقرب منه في حاجة أيضا إلى نساء كثيرات يروضن قلمه الخاص. فالقلم الذي يكتب في حاجة إلى أجساد جميلة تروض قلمه الذكري عن طريقة معاقرة اللذة، لذا يبدو البحث عن الملهمات في الجنس محفزا للإبداع وكأن الكتابة تقلب المعادلة المتداولة في الأدب، بأن الأدب يأتي من الحرمان، هنا يتولد الأدب لدا الكاتب إدريس من تعدد الملهمات وينبذ الاستقرار، لأن الاستقرار موت للكاتب. فالقلم الذي يكتب في حاجة إلى فراشات تطير، كل واحدة منهن لها ملكة خاصة في التكيف مع اللحظة الاستثنائية التي يعيش فيها الكاتب أغرب شطحاته الخاصة، والتي تدفعه إلى ترويض قلمه على سبر أغوار جديدة لم يطرقها بعد. هكذا يتذكر الكاتب إدريس زوجته وإصابتها بسرطان الرحم وهي تبحث عن ولد، حتى توفيت و غادرت و بقيت له الذكرى و هو ينتقل بين الفراشات المتعددة حتى يستطيع أن يبلغ عالمه الخاص، إلا أن هذا الترويض قد يجد نفسه أمام نساء من نفس النوع كعلاقته بشابة بدأت تستل منه طموحه وتكتب مثله، وبدأت ترغب في سحب البساط من تحت قدميه، إلى أن استوعب اللعبة فغادر محطتها وأقسم أن لا يكرر نفس الاختيار، لأن نساء طموحات مثله قد يرهقن قلمه، من ثم يبدو القلم الذكوري قلما يرغب أن يتسيد في خرقه للنساء، وأن تكون ملهماته مجرد ألواح تعكس رغبته هو، لا أن يروضن أقلامهن الخاصة. إنه قلم ذكوري ينزع الكتابة من أرحام النساء المحيطات به.
الكائنات أسرار
تكتشف أمينة حين تستلم مكتب زوجها الناشر لتديره وهو في الغيبوبة، شقة سرية في المكتب لها نفس رقم الهاتف، وتدرك أسرار زوجها الناشر الذي يتفانى في عمله، وهو يمارس كل شيء في شقته السرية. آنذاك تذهب أمينة إلى المصحة لتبلغ زوجها حتى وهو لا يسمع، سرها الشخصي الذي كانت تخبئه، ولقاءها بفنان فلسطيني رسام وذوبانها في أحضانه، ولا تقف أمينة عند هذا الاعتراف، بل إن لقاءها بالفنان، ساعدها على التقرب من زوجها العائد من أحضان فتاة أخرى لتعيش معه احتفاء حميميا بالجسد.
وهنا تبدأ لعبة الكتابة، فكما أن الكاتب إدريس يبحث عن ملهمات لأدبه و كتابته، فإن بعض الفنانات مثل الرسامة رجينا، تمتص أرواح عشاقها ليصبحوا مواد لفنها التشكيلي.
طفولة المبدع
يستعيد الكاتب إدريس طفولته، وكأنها هي التي ساهمت في جعله مبدعا، حيث وفاة الأب في سن مبكر، وحيث كان له أمان “للا فضيلة” التي ولدته ، ودادة الغالية التي ربته، والحدث الذي اكتشفه في طفولته، والذي زعزع علاقته بالنساء ألا وهو رؤيته لعلاقة جنسية تجمع أمه و دادة الغالية، و من خلال هذا الارتجاج، يبدو أن الكاتبة تعود إلى الرواية الأسرية التي تبني مسار الكتاب والتي تجعلهم يبدعون من الخلل الذي عايشوه.
هذه الرواية تفتح أسئلة حول علاقة الكتابة بالجنس والموت، والضجيج الذي أصبح يعيش فيه المثقفون وهم يخلقون إبداعا، وهي تساؤل قوي داخل الخلل الإنساني ومدى حاجته لتغيير الأشكال الآدمية كي يستمر الإبداع
أسئلة تظل مشروعة في وجه القراء، من خلال زاوية يعيشها العديد من المبدعين وهم يبحثون عن إلهام يختلقونه.
“الملهمات لفاتحة مرشيد، الإبداع بين الجنس والكتابة والموت”، لطيفة لبصير، مجلة نساء من المغرب، العدد 127، أبريل 2011.