الشعر أنبوبة أوكسجين
حاورها: عبد الحق بن رحمون،
تعتبر الشاعرة المغربية فاتحة مرشيد أن الشعر هو الفن التعبيري الأقرب إلى الطفولة، إنه مثلها طافح بالتلقائية والانفعال. في عيادتها بشارع محمد الخامس بالدار البيضاء ، ضربت معها موعدا لاجراء هذا الحوار. لذلك مهنتها طبيبة أخصائية في طب الأطفال وجدت عيادتها غاصة بعدد من الأطفال، وكثير من اللعب في متناولهم . لذلك قصائدها لما نقرأها تكون مفعمة هي كذلك بكثير من الحب والبراءة والصدق، خاصة وأنها تتعامل مع هؤلا ء الأطفال بحس مرهف، وهذا ما وقعته في قصائد ديوانها ” إيماءات ” الصادر مؤخرا عن دار توبقال في طبعة أنيقة، وكتب عنه رئيس اتحاد كتاب المغرب الشاعر حسن نجمي بظهر الغلاف: “بأنه دفتر شعري مثقل بالرعشات، بالأنفاس الدافئة، بالحدوس، وفيه تكتب عن الحب، عن غبار الذاكرة، عن الحضور والغياب، …” وهذا بالفعل ماأبدته لي إبنة شقيقتي “هاجر” سبع سنوات ، لما وجدت بين يدي بعض الكتب التي كانت معي عند زيارتي لشقيقتي وصدفة رأت صورة فاتحة مرشيد على غلاف الديوان، كانت صدفة جميلة بالفعل ، لأن هذه الأخيرة كانت تتردد على عيادتها ، ولنا هنا أن نصف علاقة هذه الشاعرة الطبيبة مع الأطفال المبنية على كثير من الحب والصداقة … وأما فاتحة مرشيد في تعاملها اليومي مع الانترنيت تؤكد “بأن الشاعر(ة) مهما تعددت أشكال حضوره، يبقى في جوهره وحيدا، يعيش في حالة ابتعاد تأملي عن العالم.لذا أعتقد أن وسائل الاتصال بتنوعها لا يمكن إلا أن تفيده.”
وفيما يلي نص الحوار :
* عملك اليومي كطبيبة للأطفال، هل يوحي إليك بالقصيدة؟ ** لفضاء الطفولة فضل علي، ولو أن علاقتي بالقصيدة سبقت الطب و تعود إلى مرحلة طفولتي الخاصة. أعتقد أن اختياري لطب الأطفال كاختصاص لم يكن عفويا، فنحن لا نستطيع الوقوف أمام آلام الأطفال دون أن نصنع شيئا. والمبدع عموما يقتات من جسم الطفولة فما بالك إذا كانت هذه الطفولة تتألم. لن أبالغ إذا قلت أن الشعر هو الفن التعبيري الأقرب إلى الطفولة ، إنه مثلها طافح بالتلقائية و الانفعال. * ماذا يعني الشعر للشاعرة فاتحة مرشيد ؟ ** هو كما قال ميركا كارتارسكو و حتى لا نبتعد عن الطب:” الشعر أنبوبة أوكسجين. أثناء الغوص يمكن كتم النفس لفترة قصيرة، لذلك فنحن بحاجة إلى أنبوبة أوكسجين حتى نغوص إلى داخلنا بأمان” الشعر بالنسبة لي أنبوبة أوكسجين تمكنني من أخذ نفس جديد كلما ضاق نَفَسي، تمكنني من سبر أغوار الغامض في كوامني . الشعر و الكتابة بصفة عامة تمكن من المصالحة مع الذات أولا ومع الآخر ثانيا. * أين و متى و كيف تكتبين القصيدة؟ ** ليست لي طقوس خاصة، و لا أبرمج لكتابة الشعر . الكتابة عندي نتيجة انفعال داخلي، وأنا أكتب كلما اصطخب شيء في نفسي . لا أشتغل على اللغة أساسا. بل أجدني أكتب كلما جرفني دفق من الأحاسيس ، كلما شعرت بالكلمات تستحثني، كلما حاصرتني الكلمة. طبيعة تكويني العلمي تجعلني أتعامل مع الكلمة باختصار شديد وبدقة. أحسها فأترجمها على قدر هذا الإحساس. أحب القصيدة الرشيقة… أحارب” السمنة الشعرية” إن صح التعبير. * ظهر على الساحة الثقافية المغربية مؤخرا عدد من الشاعرات المغربيات، ومن المعروف أن هذا العدد لم يكن عندنا في السابق خلال فترة السبعينات و الثمانينات و كذا التسعينات. ما رأيك في هذا الواقع الثقافي الإبداعي ؟ ** هذا يؤكد أن الشعر بخير في وقت كثر فيه الحديث عن أزمته. كثيرا ما كانت المرأة حافزا للإبداع دون الخوض فيه. مع أن تكوينها الفيزيولوجي يجعلها مؤهلة للتفاعل مع الأشياء بإحساس رهيف وحدس قوي. جميل أن تقتحم مجال الإبداع الذي لا يمكنه إلا أن يغتني بوجودها. * هل تستطيعين أن تكتبي أمام هول مدينة بحجم الدار البيضاء؟ ** كثيرا ما يولد الاصطدام بالآخر الشرارة الأولى للكتابة، والدار البيضاء كمدينة حية بكل مكونات الحياة الجميلة منها و القبيحة، تؤهل كل ظروف الاصطدام. هي لا تدعك تستريح ولا يمكنك معها أن تنزوي في حالة” عدم الانحياز”. تستفزك طوال الوقت، وهذا شيء إيجابي يحث على الإبداع. لا أتصور نفسي أعيش في مدينة صغيرة هادئة، أنا أحب الصخب، كما لا أتصور نفسي أعيش دون بحر والدار البيضاء تمنحني كل التناقضات التي تغذي كتاباتي. * قليل هم الشعراء المغاربة حاليا يربطون علاقة مع الحاسوب و الانترنيت. ما مدى تواصلك مع التقنيات الحديثة ؟ ** الانترنيت أداة لا أقل ولا أكثر وعلينا أن نتقن استعمالها و أن نحسن هذا الاستعمال. وأظن أن الشعر بإمكانه الاستفادة من هذه الوسيلة وجعلها لصالحه. فهي تجعل منه شعرا كونيا و تسهل التواصل بين قبيلة الشعراء من جهة وبينهم وبين القراء. الشاعر مهما تعددت أشكال حضوره، يبقى في جوهره وحيدا، يعيش في حالة ابتعاد تأملي عن العالم. لذا أعتقد أن وسائل الاتصال بتنوعها لا يمكن إلا أن تفيده. العولمة سلاح ذو حدين وأعتقد أن على الشاعر و المبدع بصفة عامة أن يدافع عن عولمة إنسانية. |
جريدة الزمان، العدد 1551، 7-8 ، 2003