الطيب ولد لعروسي
تغوص بنا الكثير من الأعمال الإبداعية العربية في أعماق وانشغالات المجتمع العربي، وتطرح همومه الحادة على كافة الصعد، الاجتماعية، الثقافية، السياسية، والعلمية، وفي هذا الصدد، صدرت للكاتبة والطبيبة المغربية فاتحة مرشيد، رواية بعنوان “الحق في الرحيل”، في الدار البيضاء و بيروت، عن منشورات المركز الثقافي العربي، تقع في 190 صفحة . هي رواية جديدة في موضوعها، لأنها تدخلنا عالم الهجرة، حيث نلتمس الأمل المتمثل في زواح فؤاد الصحفي في العقد السادس من عمره، مع إسلان المتخصصة في طباخة المأكولات المغربية بطريقة إبداعية جميلة، هي الأخرى تخطت سنوات الشباب بكثير، التقيا ذات مساء في ديار الغربة بلندن، “التقينا في زمن الحب المقتضب كالرسائل الإلكترونية”، ثم قررا العيش معا ، وبعدها قررا الاستقرار في مدينة أغادير وفتحا مطعما يقدم أشهى المأكولات.
أما الألم فإننا نكتشف ونحن نتتبع منعطفات السرد، بأن البطلة أصيبت بمرض عضال، يصعب مداواته أو النجاة منه، فهكذا وعبر صفحات الرواية نجد الأمل والألم يسيران معا، رغم السعادة التي حلت في حياة البطلين، وهما يواجهان مجموعة من الثنائيات المتلازمة، الحياة والموت، الألم والأمل، الضحك والبكاء، اللذة والوجع، البقاء والسفر، الرحيل والعودة.
يستحضر فؤاد مع صديقه رشيد الذي التقي معه بعد فراق طويل، أحلام وأمنيات وهموم كل واحد منهم لما كانا طالبين في باريس، غير أننا نقف في نهاية الرواية على فاجعة كبيرة والمتمثلة في مرض ‘أسلان’ بالخبيث بعد أن طلب فؤاد من صديقه رشيد الذي كان طبيبا في نفس المدينة تأكيد الأمر، فوجد أن المرض قد استفحل فيها، وهنا نقف عند عنوان الرواية “الحق في الرحيل”، وهو حق تتمسك به إسلان لكي تغادر الدنيا، ما دام المرض لن يترك لها أي فرصة للبقاء، فأرادت أن تخفف من ألمها، ترجت حبيبها أن يساعدها في ذلك بكل إدراك ووعي، فاستجاب لطلبها بعد تألم ومعاناة، وكانت النهاية الصعبة لإسلان وبقاء فؤاد وحيدا.
تستحضر الروائية مجموعة من التيمات التي تشير إلى: الهجرة، العودة، الرحيل عبر الذاكرة الموت، إذ نلمس انشغالات الروائية الطبيبة بمواضيع إنسانية خطيرة، مثل حق المريض في أن يطلب مساعدة طبيبه وأهله في الإسراع بالرحيل النهائي بعد استفحال المرض بجسده، وفقدان الأمل من الخروج من نفقه، هذه التيمات كانت ولا زالت تثير نقاشا في الدول المتقدمة، وأنه غير مسموح بها أو لم تناقش بعد في مجتمعاتنا، كما تؤكد الساردة حينما تقول: ” إذا كان القتل الرحيم مشروطا بشروط دقيقة ومحصنا بالحذر ومرفقا بآراء لجان طبية، فهو ممكن في حالات خاصة ولمصلحة الإنسان’ (ص..174)، ثم تواصل متسائلة: “أتعلم أن الأوتانازي أو الموت الرحيم غير مسموح به قانونيا في بلدنا؟” ( ص.179).
لذا ورغم خطورة الوضع، فإن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن الروائية فاتحة مرشيد منشغلة بتيمات استشرافية تدخل مجال عملها كطبيبة تطرحها في قالب نص إبداعي مدعم بجمل قصيرة دالة تعكس الجانب العلمي، لكونها تريد الذهاب إلى سرد الأحداث وطرح إشكالية خطيرة دون لف أو دوران. ….
14 يونيو 2014