ربا الحايك
«تعال نمطر» وتعال نرتدي وشاح الحب فعسى تورق الأنامل همسا، وقصائد تشبه عاشقة مثل «فاتحة مرشيد» تحاول ان تتكاتف والحب على الوجع وضد الأرق «تعال نمطر» عسى نلتقي.. وعلنا نتقاسم اللهفة. هذه ترجمة نثرية لشعر نثري حديث صدح به مداد الشاعرة «فاتحة مرشيد» في مجموعتها «تعال نمطر» الواقعة في مائة وواحد وثلاثين صفحة من القطع المتوسط والصادرة عن دار شرقيات للنشر والتوزيع. وبرغم البداية التي حملناها اليكم من حب ووجد ولهفة شديدة والتي تشكل بسمة عامة للمجموعة، لأن الشاعرة هنا مليئة وبالحزن المتسلق ظلال الأرق، لكننا نلحظ ان الخوف سمة عامة بل وأساسية لقصائد المجموعة، الخوف من كل شيء والمعجون برصانة المحترف في مسامات الحس الشعري عند «مرشيد» فهي تخاف من المستقبل، من المجهول، من نفسها ومن علاقتها مع الآخر الذي هو الرجل. وانطلاقا من قصيدتها الأولى «تعال نمطر» والتي حملت عنوانها المجموعة نجد «مرشيد» والتي جعلت قصيدتها في تسعة وعشرين مقطعا نجد مطرها من نوع خاص، مطر روحاني لا وجود له في الطبيعة لذلك نراها وهي تنشد الراحة في ذاك المطر، امرأة تجد عذابها بدل سعادتها، حتى تظن للحظة انها تنشد للعذاب وتغني له، تسعى بدأب للحصول عليه، وتلك هي الغربة بعينها هي ان تمشي أملا في الحصول على شيء هو بعيد بعد العين والجفن، لكنك تتهرب منه أو تهرب إليه في حلم سرابي بعيد اللمس أو التحقق غربة الروح والفراغ والوحشة. وهذا هو حال شاعرتنا التي تشارك رجلا ما سرير الوجع وهي القائلة: أشبحك أم ظلي هذا الذي يغفو على أرقى أم أنه شاهد غياب يبحث عن يقين؟ وهنا إشارات ودلالات واضحة لفراغ وجرح وشبح مخيف يتحول بعدها الى رغبة عالية الخيال إذ لا وجودها على ارض الواقع. لتبدع «مرشيد» وتتفوق في الرغبة الأدبية وتنجح في الكتابة تقول: ضاجة بك الحواس فأين اخفيك عن عيون الرغبة؟ وكيف أحميك من عطشي حين تنساب بكأسي وحين تدور برأسك الأقمار..؟ وتمشي «مرشيد» نشيدا بما يحمله من شعور عاشق تنهار أمامه النظم والقوانين لكنه فراغ تصنعه العاشقة ماضية به الى حدود المعنى والحياة والممكن في الحب والشعر ولا نهاية فيها الا «تعال نمطر».. وتعال نخرج عن حقيقة الواقع «تعال نمطر ونبلل بالملام لحافنا».
ولأنها اختارت لنفسها رجلا خاصا لا يشبه الرجال، وربما رسمته ظلا أو وجها احبته أن يكون في إحدى منعطفات التوهج الشعري والداخلي في مكنونات ذاتها. تحلق في أدبها عاليا وتدخل عالم المثل الافلاطوني، فالرجل الذي تعشقه لا يشبه أحدا، ولا مثيل لصفاته واحساسه في عالمنا المادي هذا فتتابع غرقا في قصيدتها «علمني الليل» وشعورا بصعوبة الحصول على الحلم فعلها فعل المتصوف الذي يحلم في الوصول الى نشوة الروح وهي تتعبد وتحلم وترتقي نحو السماء. وشاعرتنا هنا تحلم بالصعب فهي ترتوي من الصحراء وتراقص الاشباح التي ترعبها وتستفيق أخيرا لتقول: علّمني اليل كي أولد من حلم وكي أعشق موتي عند اليقظة ولأن الشعر نبض والنبض يتفاعل مع الواقع ارتفاعا وانخفاضا وتوازنا ها هي «مرشيد» تهدي قصائدها لمن تركوا اثرا في النفس ومن زرعوا في حقل موهبة مرشيد بصمة استحقت ان تذكر فهي تهدي قصيدة لرامبو واخرى لولدها سليم وثالثة لـ «عبداللطيف الدرقاوي» اما قصيدتها «ألوان الخريف» المهداة الى رامبو والتي كتبت فيها الى آرثر رامبو الذي رحل بعيدا بحثا عن نفسه وتاه عنها. واعتقد هنا انها كشاعرة تحلم بالرحيل الى اقاصي الروح والجسد والتخلص من كل الاكراهات الاجتماعية وربما يكمن هنا سر اعجابها برامبو فألوان الخريف قد تعبر عن شيء مشترك بينهما وهو ضرورة التخلي في لحظة ما من لحظات حياتنا عن شخص نحبه فأنشدت كرامبو قصيدا لا يكتمل ليصبح رامبو هنا عاشقا غريبا عن تلك المرأة العاشقة في كونهما تخليا عن الشعر واكتمال القصيد ومرشيد تؤكد ذلك بقولها: وكما تخلى عن الشعر تخليت عن طريق عينيك لأمضي الى حيث الشعر يحتضر وهكذا فإن المبدأ الانثوي ليس مبدأ عقليا وهذا الجوهر الذي تصنعه كلمات الشاعرة عسى تستطيع ان تفرغ ذاتها من أي مضمون استجاب له رامبو الذي اعلن موت الشعر بين جيله. أموت هذا الذي يلبسني أم ولادة يا رامبو وتنتقل الشاعرة من حب لآخر ومن حزن لثان ومن ترتيله حرف الى تناغم قصيدة لنسقط في الوله الروحي وتسعى جاهدة للتخلص منه. وهي كشاعرة لها حسها الشعري وكينونتها الوجدانية المليئة تسترق من مهنتها كطبيبة حلا نهائيا لتحمل لنا من خلاله احساسه بثقل ما تحمل شاعرتنا هنا تحاول التخلص من حياتها فالعالم لا يسمعها رغم انها تصنع سماعتها الطبية على قلبه ولأنه الحب والشعر هنا والعلاقة بينهما تمضي الى حدود المعنى والحياة والمحتمل لأنه في الحب كما في الشعر لا يمكن انتظار نهاية ما فتسعى شاعرتنا الى وضع حد لتلك الحالة المستحيلة الى الانتهاء وفي ختام قصيدتها المعنونة بـ ove2-doseتجد الدواء وتتمايل زهوا في حروفها بأسلوب رشيق وبفن ادبي مغتسل بلوعة الاحتراف فانظروا ما تقول: سأشرب نخب العاصفة علني أقضي نحبي بجرعة حب زائدة وعلى قول شاعرنا المتنبي انا الغريق فما خوفي من البلل قرت مرشيد ان تستقبل الحب العاصف بالمواجهة والتحدي فما الذي تبقى
غير صدى الحب الملتهب في صدر شاعرة عرفت كيف تصيغ العشق فرحا من مطر. فها هي لا ينقصها الحزن ولا الدمار ولا الرماد ولا يغريها الهروب رغم حاجتها لذلك فنراها في لا تكترث مهيأة صامدة مبتسمة بقوة الحزن. مهيأة لمزيد من الرماد فاحرق جثة حبنا ولا تكترث لمداد الرسائل ص82 ولأنها بدأت بالمطر وبـ «تعال نمطر» دعوة لعاشقين يتراقصان اندفاعا نحو سعادتهما الا اننا نجد في قصيدتها ذات مطر غياب للمعشوق للحبيب الغائب دون ملامح لا تمسه اليد ولا تراه في المكان. نلحظ هنا رمزية واضحة في مضموم الجمل الادبية للقصيدة مليئة ريبا وعمقا وغموضا او ليست هي القائلة: تأتيه ذات مطر تعلق على المشجب ذاكرة مبللة تحرر قدميها من وحل الشك العالق بكعبها العالي ولأن بشعر «فاتحة مرشيد» نداءات تمر عبر تشققات الأنا فتنساب بهدوء وصمت كما ينساب الماء الهادىء، فها هي تنتقل بعيدا عن الحزن والسوداوية التي لفت جدران مجموعتها فنجدها في قصيدة «عطر اللوتس» فنانة وغائرة في الغموض والتكثيف والفن الراقي وكأن بي أمام لوحة سوريالية دقيقة المعاني تقول: لا حارس لحديقتي غير زوج حمام ينضو بقايا نقاس عن أجنحة من مرمر وفي موضع آخر من القصيدة ذاتها تقول: كوردة تستقبل الندى أعددت الفجر لمسافر قد يعرج على انتظاري ولأنها الأنثى والشاعرة وصاحبة القلم الحزين والجريء، تصرخ بوجه من يفند الأدب النسائي ويحاول إبعاده خارج خريطة الأدب والإبداع والفن فما هي التهمة التي ارتكبتها «مرشيد» هي أنها شاعرة: يصلبون رحمها ويبحثون في قطرات الدم الجافة تحت التراب عن قلم رجل «تعال نمطر» دعوة صوفية يوشيها تقديس العلاقة، هي دعوة جريئة لصناعة المطر وباعتقادي انها محطة سبق للشاعر المرور بها، وصنعت هنالك ذكريات وقررت ان تعود إليها. هي نداء لحب والتواصل في زمن نعاني فيه من الجفاف الروحي والوجداني والعاطفي رغم كونه زمن التواصل ومحو الحدود، ولانه الحب من يستطيع تخليص البشرية من كل هذا القبح خرجت «فاتحة مرشيد» بـ «تعال نمطر».
http://www.al-watan.com Doha – Qatar