صلاح الوديع
على طريق محفوف بشجر لغصونه حفيف الذكريات، تأخذنا الشاعرة رويدا في ممشى يعود بها إلى أيام الطفولة الأولى. تخطر به كأنها تطرقه للمرة الأولى، غير أنها تكتشف عند كل منعطف أن صور الماضي منحوتة واحدة واحدة في تضاريس الذاكرة. تتتابع الصور والكلمات سيالة من قلمها، كأنها لم تكن تنتظر إلا قرار الشاعرة الداخلي لتقدم على مغامرة البوح. والبوح نعلم كيف يبدأ ولا نعلم إلى أين ينتهي. وطوبى لمن يسلم قياده لغواية الكلمات…
فسيفساء الأحاسيس وشغب العواطف. نداء الطفولة البعيد ووجع الأمومة المشروخة. دمعة تترقرق طويلا على عتبة الكلمات قبل أن تهوي على الورق.
تتقاطع على صفحات “الإيماءات” قصائد تخفي أكثر مما تعرب، كأن الشاعرة تقتصد في البوح، لعل في باقتها ما يقيها من الحنين، وما يحميها من رذاذ الذاكرة… غير أن الرغبة في القول أعتى عندها من ميلها إلى الإيماء فلا تلبث أن تعود إلى التعاريف الأولى، إلى أصول الأشياء، إلى نبع الدفق الأول… إلى هذا الشعر الذي اختزنت له من ميعة الشباب أغلى ما في الجوانح وأزكى ما في الأرواح…
في مجموعة” إيماءات”، أشياء الحياة الصغرى تنبض بالحياة، يضعها مجهر الجمال أمامنا صادقة فياضة، مليئة بالمعنى، طافحة بالحياة… هو الشعر الذي يعيد تعريف الأشياء في كل لحظة ويملؤنا بالدهشة الأولى في كل القراءات…
هو الشعر الذي يعرف في كل مغامرة يدخلها كيف يعيد خلق العالم، كيف يعيد حتى خلق الشاعر نفسه.
جريدة “أخبار الثقافة”، 27 نونبر 2002