لم يكن ترددها من خطوة النشر إلا خوفا من ردود الفعل ومن التعري أمام القارئ، لكنها عندما أدركت أن عري الكتابة إنساني يتشابه فيه الجميع، تجاوزت عقبة الخوف، وفكت أسر روحها. ” أدركت أننا ونحن نكتب عن خصوصياتنا – أو ما نعتبره خصوصيا لدينا- إنما نعبر عما هو عام بحس شخصي.”
بعد “إيماءات “جاء ديوان “ورق عاشق” سنة 2003 عن دار الثقافة، الذي تعرفت عبره إلى الفنان أحمد جاريد حيث طلبت منه تصميم غلاف الديوان. ما أن اطلع على بعض القصائد حتى طلب موافاته بالباقي. وإضافة إلى الاشتغال على غلاف الديوان، اشتغل على لوحات مصاحبة للقصائد (30لوحة) ولوحات للعرض تضمنت بعضا من قصائد الديوان. وقد خرج هذا العمل الفني المستوحى من قصائدها بشكل جميل ما فتح معرفتها على فضاء التشكيل ورواده وهو العمل الذي أصدره جاريد ضمن حقيبة فنية تحمل نفس العنوان .
صدرت الطبعة الثانية من ورق عاشق باللغتين العربية والفرنسية (الترجمة لثريا إقبال) عن منشورات مرسم سنة 2008.
بعد أن أعارت صوتها للرجل في “ورق عاشق”، استعادت صوت الأنثى ليرتفع عاليا في نداء للحب في ديوانها الثالث “تعال نمطر” الذي صدرت طبعته الأولى عن دار شرقيات بالقاهرة سنة 2006، فيما صدرت الطبعة الثانية عن منشورات مرسم سنة 2014 باللغتين العربية والانجليزية (الترجمة لنور الدين الزويتني).
لديوان ” أي سواد تخفي يا قوس قزح؟” قصة، قصة قادتها إلى عوالم التشكيل وفتنة الألوان. فقد كانت “منشورات مرسم” قد دخلت في تجربة فريدة تجمع شعراء وتشكيليين أثناء ليلة للخلق، يتم خلالها تقديم قصيدة من كل شاعر ولوحتين لكل فنان تشكيلي لإنجاز حقيبة فنية.
تحكي عن هذه التجربة الجديدة في مسارها قائلة بأن رشيد الشرايبي اتصل بها للمشاركة في الدورة الثالثة من هذه التجربة، وهي التي عرفت مشاركة شاعرات للمرأة الأولى. حضرت فاتحة مرشيد عن الشعر بالعربية وثريا إقبال عن الفرنسية ونهاد بنعكيدة عن الزجل. تم اللقاء بغاليري تطل على البحر داخل السور البرتغالي بالجديدة حيث كانت
الشاعرات يقرأن مع مصاحبة موسيقية، والتشكيليون منهمكين في ترجمة كل هذه التعابير تشكيليا.
تتذكر لحظتها أنها كانت تتنقل بخفة فراشة بين التشكيليين. تكتب شذرات من وحي المكان وروحه ورائحته على لوحات التشكيليين المشاركين: محمد بناني، عبد الله دباجي، عبد الله الحريري، ومحمد بنموسى، لتجد في النهاية أن اللحظة قد أوحت بديوان بدل قصيدة سمته “مذكرات لوحة” وهو الذي ستغير اسمه بعد ذلك إلى ديوان “أي سواد تخفي يا قوس قزح؟” والذي سيصدر عن منشورات مرسم 2006، باللغتين العربية والفرنسية (الترجمة لعبد الرحمان طنكول) .
وكانت ثمرة هذا اللقاء حقيبة فنية تحت عنوان “حروف وألوان” منشورات مرسم 2006.
بعد هذه التجربة جاء ديوان “آخر الطريق أوله” عن المركز الثقافي العربي (2009) وبه القصيدة التي كتبتها عن فقد الوالد “يوميات الحزن بجدة” وعن علاقتها بالراحل ادمون عمران المليح “آخر الطريق أوله” التي ترجماها معا إلى اللغة الفرنسية ونشرت في الكتاب الذي صدر بمناسبة تأبينه .
الديوان الذي شكل نقلة في حياة فاتحة، والذي جاء على شكل قصيدة واحدة، هو الديوان الذي احتفى بالصمت الضاج.. بالكلام المخبوء، الكلام الثاوي بين الشفاه ذاك الذي يحفز على الكتابة وهو ديوان “ما لم يقل بيننا” الصادر عن المركز الثقافي العربي باللغتين العربية والانجليزية (ترجمة نور الدين الزويتني) سنة 2010.
تعتبر فاتحة أن كل “ما لم يقل” هو المسكوت عنه وغير المفصح عنه وهو ما يدفعنا الى البحث له عن مسارب أخرى لإيصاله.
في هذا الديوان تَحلَّلَ مداد النوستالجيا على هذا الورق منذ ذكرى ليلة الطلاق بين والديها، ولأن الطفولة داؤنا الذي لا نشفى منها، فقد تدفقت هذه اللحظات سيالة دون أن تعي تماما أنها تثأر لهذا الماضي ببداياته ونهاياته. لقد عايشت فاتحة وخبرت عواطف النهايات. حضرت العديد من لحظات الفراق وهو ما حاولت تذكره في هذا الديوان: طلاق الأم، طلاق “ماما فاطمة” زوجة الأب المثالية.. وغيرها.
تقول فاتحة عن ديوان “ما لم يقل بيننا “هو كتابة في العشق لكن في عشق النهاية يعني كتابة النهاية بكل عشق. كتابة ذات نفس درامي تصلح على خشبة المسرح تحكي آخر ليلة في علاقة حب. نحن دائما نكتب عن البدايات نظرا لجمالياتها، لكن إن كانت البدايات ولادة جديدة فالنهايات كذلك ولادة لبدايات محتملة.”
هذا الديوان الحاصل على جائزة المغرب للكتاب في 2010، تقول عنه فاتحة إنه كان نقلة في مسيرتها الشعرية لما يحمله من نظرة فلسفية للعلاقات الإنسانية، نظرة تكونت واختمرت
بعد معاناة من تراكم الفراقات والفطامات التي عاشتها قبل أن تغير الاتجاه كليا في الديوان الذي تلاه” انزع عني الخطى” الصادر عن دار توبقال (2015) الذي اشتغلت عليه بنزوع فكري نيتشوي خالص.
صاحبَ إحساس الدخيلة فاتحة مرشيد لزمن طويل، كونها قادمة من مجال الطب، هي التي كانت الطبيبة بين الشعراء والشاعرة بين الأطباء، وتقول ” كان لدي إحساس دائم بضرورة إثبات شيئ ما” إلى أن حصلتْ على جائزة المغرب في صنف الشعر سنة 2010. لحظتها لمستْ الاعتراف الحقيقي بالوجه الآخر للطبيبة والزوجة والأم وهو ما منحها ثقة أكثر بما تكتبه.
من يومها أصبحت فاتحة تتحمل هذا العبء اللذيذ الذي اسمه الكتابة وأصبح إنصافها مطلبا ملحا عليها. فإما أن تكون أو لا تكون.
تكتب فاتحة مرشيد متكئة على شروخها واضطراباتها الداخلية. فالكتابة بالنسبة إليها ليست ترفا، بل تلبية لحاجة ماسة للارتواء حتى لكأنها حياة داخل الحياة.
الحلقة 19: “إحساس الدخيلة والخوف من النشر”، الاتحاد الاشتراكي، الاثنين 22 يوليوز 2019، العدد 93122.