الشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد لـ ” وكالة أخبار المرأة ” : أنا شاعرة في الحياة
حاورها: أحمد علوة
جائزة المغرب للكتاب للسنة التي ودعناها في صنف الشعر كانت من نصيب الشاعرة والروائية والطبيبة فاتحة مرشيد .
ديوانها الشعري « ما لم يقل بيننا» قادها الى مصاف الجوائز الكبرى في المملكة.
مرشيد التي طالما انتصرت للجسد والروح في كل كتاباتها ، تنتصر لها اليوم قصيدتها في زمن عربي ومغربي عصي.
لا بد أن أتعرف بداية على إحساسك وأنت تتلقين خبر تتويجك ، ويعنيني أيضا أن أعرف قيمة هذه الجائزة في تجربتك ؟
جائزة المغرب للكتاب تعني لي الكثيرمن الناحية الرمزية كطبيبة كثيرا ما داهمها الاحساس بالدخيلة على الوسط الأدبي، فنحن عندما نأتي من فضاء أخر كفضاء الطب مثلا نكون مطالبين أكثر من غيرنا بأن نبرهن على قدراتنا الإبداعية وعلى أننا أهل لهذا الانتماء، علما بأن الاعتراف من الداخل هو أصعب بكثير من الاعتراف من الخارج. لهذا فأنا أعتز بهذا الاستحقاق وسعيدة به. وفي نفس الوقت مؤمنة بأن الجوائز لا تصنع الشعراء فوحده الشعر يصنع الشاعر.
ديوان “مالم يقل بيننا” الذي توج أريد أن اعرف مكانته في تجربتك الشعرية والروائية .. هل كنت تعتقدين أن هذا الديون سيأخذك لنيل أهم وأكبر الجوائز الأدبية في المغرب ؟
كل كتاب جديد هو مغامرة جديدة بالنسبة إلي، ويبقى الإبداع عدو التكرار وإن كان يستفيد حتما من التجارب السابقة. أعتقد أن ديوان “ما لم يقل بيننا” قد استفاد من تجربتي الشعرية ومن كتاباتي الروائية على حد سواء. فهو يتضمن قصيدة واحدة، قصيدة في ديوان، قصيدة ذات النفس السردي الطويل وفي نفس الوقت هي كتابة شذرية بحيث تحمل كل صفحة شذرة مستقلة بمعناها وإن كانت مرتبطة بالشذرات التي تسبقها والتي تليها. ديوان “ما لم يقل بيننا ” يحكي حكاية آخر ليلة في علاقة حب أعني نهاية العشق. هو كتابة في حتمية النهايات. نحن اعتدنا دائما أن نكتب عن البدايات نظرا لجماليتها. فكان الرهان أن أكتب في نهاية العشق بكل عشق.
هل تعتبرين أن كتاباتك الأخرى لم تنصف سواء الروائية أو الشعرية ؟
” كيف أكون موضوعيا حين أكون أنا الموضوع” يقول نزار قباني. لكن بكل صراحة شاركت في جائزة المغرب للشعر، للمرة الأولى، السنة الماضية بمجموعتي الشعرية ” أخر الطريق أوله” وهو الديوان الذي يتضمن القصيدة الأقرب إلى قلبي “يوميات الحزن بجدة” وهي قصيدة كتبتها في رثاء والدي رحمه الله. كنت أتمنى أن يحصل هذا الديوان على جائزة المغرب لأنه يستحق ذلك بكل ذاتية وموضوعية، لكن لاعتبارات لا علاقة لها بالإبداع حجبت الجائزة ولم تكن من نصيب أحد.
بمناسبة الحديث عن اللجان ..سبق أن تسربت بعض الأخبار عن عمل لجنة جائزة المغرب لسنة 2010 وكانت موضع خلاف بين أعضاءها حول أحقية الديوان الذي يستحق التتويج ..هل تتبعت ذلك وما رأيك في ذلك ؟
إنها ليست المرة اللأولى التي تعرف فيها الجوائز الأدبية مشاكل داخل اللجان ذلك لأن تقييم الإبداع شيء صعب، وخاصة الشعر، فالشعر صرخة قلب فكيف يمكن أن نضع نقطة تقييمية على صرخة؟ الصرخة ننصت إليها، نتفاعل معها أو لا نتفاعل فقط. لهذا على اللجان أن تبقى محصنة وأن تشتغل خارج أي ضغوط وبموضوعية ما استاطعت دون أن تسرب كواليسها إلى العموم.
أنا أؤمن بالاختلاف وليس مطلوبا من الجميع أن يحب كل ما أكتب لأنني أنا شخصيا أكتب بحرية دون أن أضع رقابة أمام عيني، ولكل شخص الحق في التعبير عن رأيه بكل حرية كذلك، لكن عليه في نفس الوقت أن يعترف للآخر بحقه في أن يكون له رأي مغاير، وهذه هي الديمقراطية.
حصلت على الجائزة في ظرف عربي استثنائي ومغربي أيضا
عربيا صوت الجماهير في الشارع علا على صوت المثقفين ، وفي المغرب خلاف وصل لحد المقاطعة بين المثقفين المغاربة والوزارة الوصية على قطاع الثقافة في المغرب ؟
في ما يخص الوسط الأدبي المغربي، أنا أعتبر ما يحدث داخله من اضطرابات ونقاشات ظاهرة صحية لا يمكنها إلا أن تخدم الأدب والمثقفين. ولا أظن أحد يختلف على أن للثقافة دور مهم في فتح آفاق وأبواب جديدة تساعدنا على توسيع زوايا رؤيتنا للعالم. وما يقع في الوسط الأدبي المغربي هو صدى لما يقع على الصعيد العربي. الكل ينشد الحرية والديمقراطية واحترام الحق في التعبير وفي الاختلاف. فكوننا نتوج الشعر، في هذه الظروف، باعتباره أسمى لغة للتواصل مع العالم لا يمكن أن يتناقض مع تطلعات الإنسانية لغد أفضل. بل على العكس العالم الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة الاعتبار لقيم الجمال والقيم الإنسانية ولكل ما ينتصر لجوهر الإنسان. ثم أليس الشعر من قال: “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”؟
هل حصولك على الجائزة هو بمثابة تتويج للشعر النسائي في المغرب وإعادة الاعتبار للشاعرة المرأة ؟
أنا لست مع تصنيف الكتابة إلى ذكورية ونسائية وإنما أومن بكون الإبداع إبداع إنساني فوق كل شئ . وطبعا هذا التتويج هو تتويج للشعر المغربي بكل مكوناته وللشعر عامة في تحليقه خارج الحدود.
كل ما أتمناه هو أن تكون تجربتي الأدبية محفزا للعديد من دووا الاختصاصات العلمية، الذين يدفنون مواهبهم الأدبية، في الخروج بها من الظل، فالإبداع أكبر من المؤسسات من الأكاديميات والصفة المهنية لا يجب أن تكبلنا بل أن تغنينا بإظافة خصوصية لإبداعنا.
هل تمنيت الحصول على الجائزة بعمل روائي مثلا ؟
بكل صراحة أنا سعيدة أنني حضيت بالجائزة عن الشعر لآن الشعر كان مدخلي للكتابة ولأنني اعتبر نفسي شاعرة ، شاعرة في الشعر وشاعرة في الرواية وشاعرة في الحياة وشاعرة أثناء ممارستي للطب.
الشعر ليس فقط كتابة قصائد إنه فلسفة حياة و نمط عيش، وأنا عندما أكتب رواية أكتبها بنفس شعري وأحسني شاعرة داخل الرواية تماما كما تجد الروائية داخل الشعر فلا مفاضلة عندي بين الأجناس الأدبية التي أتنقل بينها بكل حرية وعشق، منصتة إلى مزاجي ككاتبة.
بالمناسبة لقد صدرت لي رواية الجديدة تحت عنوان “الملهمات” عن المركز الثقافي العربي مما يعزز قولي.
لاتفصلي بين كونك شاعرة أو روائية ..لكن النقد الذي اقترب من تجربتك هل استطاع أن يفصل بينهما وهل استطاع أن يفهم تجربتك ككل ؟
قد يختلف الأمر من ناقد يكتب في الشعر إلى ناقد يكتب في الرواية فكل واحد من الاثنين يريدك أن تكون ضمن قبيلته، وهي كلها تصنيفات تخدم النقد فقط ويبقى الإبداع أكبر من كل تصنيف. لكن الجميل في الأمر هو تعبير بعض النقاد عن حيرتهم بين الشاعرة والروائية.
ديوانك المتوج رغم أنه قصيدة واحدة فان بعض المقاطع أو الجمل فيه تبقى هي الأقرب لك من أي أبيات أخرى فيه ..هل يمكن أن تشركينا في هذا القريب منك في ديوان ” مالم يقل بيننا”؟
كم يلزمكَ من رحيلٍ
لتعُودَ أكثر!
جريحان
وهذا الليل مُتربّصٌ
كخطيئة
مُشرَعة على السّماء
وأكُفٌ
لا ترى مُبرّرا
لمصافحة القمر
كم يلزمُني من مجيءٍ
لأبتعدَ أكثر!
جريحان
وتطِنُّ كؤوس
كخيبة ظن
وهذا الحرُّ في شماتة
يُثلج الحواس
وتسقط ُالأعضاء
عن بعضها في ضَجر
كم يلزمُنا من سقوط
لننهض أكثر!
أشكرك الشاعرة فاتحة مرشيد وأهنئك من جديد على هذا التتويج ؟
شكرا لك على دعوتك الكريمة، أود فقط أن أشير إلى أن ديوان “ما لم يقل بيننا” قد صدر باللغتين العربية والانجليزية « Unspoken » وأن الترجمة الانجليزية للأستاذ نور الدين زيتني وأنا اشكره جدا على مجهوده المتميز والنوعي.
خاص بـ ” وكالة أخبار المرأة ” 16 يناير 2012,
wonews.net/ar/index.php?act=post&id=1780